مدن غافية على أمنيات وأحلام سنين عجاف
العيد بين أراجيح الأمس وعرّبات الذاكرة
موسى عبد شوجة
تتدحرج الذكريات .....على شغاف افئدة حرّى يعللّها اريج مزمن لمدائننا الغافية المكتظه بأمنياتٍ واحلامٍ سنين عجاف شفّها الوجلُ والحنين... وطرقات لم تزلْ تشدو ترنيمةً لمَنْ مرّوا على جفن الامس وغابوا...
وترسبت ابتسامتهم واهازيجهم و (عيدياتهم) على حدقاتنا المسهده . لتصافحنا رسومهم واشاراتهم بمدار أفقٍ يغازل........فجر اول عيد .
لعمرّي .. ان الأيام السالفه وما حملته الذاكره.. شُبِهت لي سفينة تبحرُ بين جزر ومدّ لبحرٍ هائج بأعاصيره ..وامواجه العتيّه بزبد خواطرنا الزجاجيه.
نعم عندما نقف على ربوة ايامهم وصباحاتهم الطرية المشرقه بوهج جبينهم الزاكي ، تتقمص لنا عيونهم التي تكحلت ببريق الوفاء والنقاوه والبراءه .. كبوصلة تؤشر لاتجاهات متعامده نحو ضفاف هلال عيد مرتقب متخم بالبهجة والغبطة والسرور..
وهو يرتل نوره الدرّي في معراج باكورة اطلالتة لينثر على قمم المنازل وشرفاتها وزواياها عطر شمائلهم وحكاياهم وحناء أكفَّهم النزيهة الطاهره ..ويجتاز بنا الى محطات الماضي وساعاتها الحبلى بموائد بساتين غراسهم ، وما حملت من ثمرات... واحاتهم النضرّه المزادنة بألق الامس الذي جرى في اوردتنا فيضاً من المسك .... والعنبر لشتلات بصماتهم المجسّمه بمشكاة حضورهم الجلّي البّهي الطلعة والحضور.
فسيلة خضراء
نعم نحدق بفسيلةٍ خضراء غادرها زراعُها ومبدعيها ... نحو غياهب وقلاع الرحيل .
و يا أسفي.. قد ادمنت جذورها فصل جفاف طويل.. هو الرقاد الكامن . ...بين ذراعي أمنية مضطربه قلقه لعيد رؤوم منتظر.. وها هي مفرداتنا تستسيغ غيث ضحكةٍ أمسٍ لزغرودة ِِ أول رؤيا لمخاض هلال مزركش بياقوت البراءة والايثار .. يسري بشريان شعاعه الوهاج ..فيضُ غدير لأمنية نجم بكِر.... وتراويح لفجرٍ مغيّب.
نعم تأخذنا خطى الأمس الى اراجيح العيد وعرّباته الملّوحه بمناديل طفولتنا البيض المعطرّه بعبق نسيم عيد في تباشير زفافه.
ولطالما حدّقنا بملامح وقسّمات وجه هلاله المطّل وهو يترجل بين بيوتات الطين وضفاف دجلة والفرات ليفرش جناحيه وجدائله بدفء وحنان بما يحمل من سنا ونور وسرور لمدائننا الناعسة البائسة.
ينابع الربيع
نعم كنا نرتشف من غنج ضياؤه رحيق خبزٍ فراتي ندي .. كندواة مشاعرنا الزاهره . ورقتها.... والتي لا يتغير لون شذراتها مع تناوب المواسم وفصول العمر.... ولا تبلى ولا تفنى اشراقتها ..مهما تأرجح المكان ...والزمان على عتبات الذاكرة وبواباتها وعواصف جهاتها القلقه .
وها نحن الآن نجتر نسغ ذكرياتنا لنقول الساعة الساعة يحدو بنا خوف وحذر حرج لما يحمله معين الزمن الآتي من غسقٍ و وداع مرتقب لخضار المواسم وينابيع الربيع.وحذاري ..حذاري ان تصعق روحنا الغافيه ما بين سكرات الضمور والتلاشي بموجات ألم مزمن وانين مترسب على وديان وبقاع احلامنا الشاخصه.
فقد حان الولوج بان نمزج شهقة دمعة...مسافره بمسحوق اديم ذكرياتنا...لنصنعُ منهما حناء لعيدٍ يمرّ اليوم غريباً على حيّنا. ولنخّضب باطن أكفَّنا..ونعفّر ضفائر هلالنا لحظة زفاف بريقه المولع.بأهازيج صباحات صبانا وبراءة حكايانا. . التي سافرت مع مَنْ غابوا من ديارنا.
و يا أسفي لو اخضرت واينعت أغصان طيفهم الموعود في مواسم ليل داجٍ.... لشّدونا لحّن حنينهم بترنيمةنقضم بها ونقتات مسافاتٍ ومساحاتٍ اوجاعنا ونداوي جرحنا المزمن النخرّ من خبث ديدان عث الرحيل .
لماذا اذن نوقظ اعين مَن ْغابوا بعد أن تركوا لنا أرثاً من وجعٍ وضجيجٍ لداءٍ عقور.
وماذا بعد هذه الغربة الصاخبه في أتون الرحيل ... فهل نقف ونترقب هلالاً مؤرقاً.... قد يعفّره غبارُ أنينٍ مزمن..وسنين قحطٍ.. تتوحم ؟؟ .
فيا ليت الذاكره تغتسل من أدران ترسبات مرارة وحرمة الغياب ....... وليت عقاقير الدنيا تضمد جراح روحنا المحتضره وهي ترمقُ هلال اول عيد.