فاتح عبد السلام
اذا لم يمنح الدستور العراقي حماية لمواطن ينتقد قراراً حكومياً فما حاجتنا الى بند حرية التعبير فيه؟
صيانة الحريات واعتبارها حقاً مكتسباً للمواطنين، بند دستوري من اجل ممارسته في التعاطي في الشأن العام، وهو ليس بنداً لتنظيم العلاقات الزوجية والمنازعات في قضايا مَن له الكلمة الشرعية في الخلع والطلاق وكيف يجري تقاسم الميراث.
حرية التعبير تعني انّ من حق الناس أن تقول رأيها بطريقة سلمية، ولا تعني موافقة الحكومة على ذلك او سخطها أي شيء. هذا هو الحق الدستوري. ولا يمكن أن يتخيل أي انسان انَّ بند الحريات وحق التعبير عن الرأي يقع خارج التعاطي مع الشؤون العامة السياسية والاقتصادية والثقافية.
هناك التزامات مهنية معروفة للموظفين في مؤسسات حكومية في عدم التصريح بما لم يخولوا بالنطق به تعبيرا عن موقف رسمي، لكن بعد الدوام الرسمي من حق الموظف الذي هو مواطن تحت حماية الدستور ان يقول رأيه، كما فعلت المذيعة العراقية في التلفزيون الحكومي عندما انتقدت في موقعها في التواصل الاجتماعي زيادة أسعار البنزين، الامر الذي قادها الى لجنة تحقيقية قررت حجب ظهورها على الشاشة ونقلها الى موقع اخر.
المسألة ليست في قضية هذه المذيعة التي لم أرها في حياتي أو ذلك الموظف المنسوب لدائرة حكومية، وانما هي مسألة دستورية وحقوقية، يجب ان نفهمها في انّ العراقي الموظف له حقوق وواجبات تحت سقف وظيفته وله حقوق وواجبات أخرى تحت سقف الدستور العراقي الدائم.
هذه أجواء “شمولية” تنتشر بسرعة كبيرة في البلد، ولم تعد شعارات الديمقراطية قادرة على سترها، وهي ذات الأجواء التي دفعت وزير « ثقافة وسياحة» الحكومة ان يتهم تسعة وتسعين وتسعة بالعشرة بالمائة من انتقادات الشعب بأنها كاذبة وغير صحيحة، انه أقسى تعبير” رسمي” يهين العراقيين منذ سقوط الحكم السابق، بل لعلّ الحكم “ الشمولي” السابق لم يجرؤ على المجاهرة بالقول» الشمولي» ذاته.
فعلاً من حق أي مراقب أن يتساءل بعد هذه النسبة التي بتّ فيها الوزير في قرار الغاء « الآخر»: أين الشعب العراقي، وهل يمكن حشره بهذه السهولة في نسبة الواحد من العشرة بعد التسعة والتسعين بالمائة؟
رئيس التحرير – الطبعة الدولية