الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في كتاب طه جزاع.. حكاية الدرويش والحلاج
عبد اللطيف الحاج اقويدر

بواسطة azzaman

قراءة في كتاب طه جزاع.. حكاية الدرويش والحلاج

عبد اللطيف الحاج اقويدر 

 

يُهدِي الدكتور طه جزاع إنجازه هذا إلى أستاذه الدكتور كامل مصطفى الشيبي، اعترافاً منه وامتناناً بأثره الطيب فيه، وقد جعله موضوع كتابه، بإيراد صورٍ من سيرته، انطلاقاً من صحبته الطويلة له، الثرية في مسيرتها، فجنس النص للكتاب هو فن ترجمة غير ذاتية، مع رشحٍ من بعض سيرةٍ ذاتيةٍ للكاتب نفسه، كان المفتتحُ مشهدية ارتقاء أبي منصور الحلاج إعداماً، ليلج بعده إلى «أول الحكاية»، وأول الحكاية تقديم الدكتور طريف كامل مصطفى الشيبي لهذا الكتاب، الذي له حكاية طريفة في حُلَّة طريفة...

مقاله الأول «45 عاما معه»، تسرد أم طريف فيه بعض ذكرياتها مع زوجها الدكتور كامل مصطفى في رحلتهما الحياتية المشتركة الطويلة، وممَّا تنقل عنه تعلقه الشديد بالعراق، فلسانه لا يفتر عن ذكر احتضان ثرى بغداد جسدَه، وكان له ما أراد، وعلَّق على قبره بيتا يحسن كثيراً الاطلاعُ عليه (ص18).

ذيل القائمة

ثم أورد مقال «سيرة تلمذة وذكريات»، في اثنتيْ عشرة صفحة، ذكر فيها الكاتبُ بداياته الجامعية مع اختصاصٍ اختار له ذَيْلَ القائمة، فاختار له الاختصاصُ الذَّيْلُ الشهرةَ، ومكَّنه من صحبة الصفوة، ومنهم أساتذته، صالح الشماع، وحازم طالب مشتاق، وذكر «الفيلفوس» الخبيرَ بأمزجة أساتذة الكلية، ومقصدَ الطلبة ومحلَّ أسئلتهم (ص22)، وخصَّ الدكتور كامل مصطفى الشيبي بشطر وافر، أكد فيه نجاحه في افتكاك اعترافه من أساتذته في مصر، وبوَّأه أستاذه الشهير الدكتور علي سامي النشار مرتبة التمكن والتميز في اختصاص الفلسفة، وفي مقال «عاشق الحلاج»، تحدث الكاتب عن تحقيق الشيبي «ديوان الحلاج»، وتفوُّقِه في هذه الدراسة على التحقيق الذي أنجزه المستشرق الفرنسي «لويس ماسينيون» (ص36)، وأردفها بذكر جزء من سيرة الحلاج (ص37ـ39)، فعلاقة ماسينيون به، وفي مقال «درويش في مهمة صحفية»، ذكر إعداد الشيبي ربورتاجاً صحفياً عن قبر الحلاج المهمل في محلَّة المنصورية، وهو الذي كُتبتْ عنه مئات الكتب، وآلاف المقالات بمختلف اللغات، متمنياً إنجاز تمثالٍ في حجم شهرته، يخلِّد ذكراه، تتعرف عليه الأجيال، لكونه رمزاً روحانياً عالمياً (ص45)، ثم مقال «في داخلي منهج الصوفية وأخلاقهم» وخصَّ فيه بذكر تدريس أستاذه الشيبي مادَّة الفكر الصوفي، وتحققه بسلوكه، وتكفُّله بالمرافعة عن الحلاج المظلوم ظلما مضاعفاً: ظلم الأعداء، وظلم الأتباع، وفي مقال «الصوفي البغدادي المجهول»، ذكر الكاتبُ سعي الشيبي في التَّنقيب عن مجهولي الصوفية، فكشف عن اسم هذا البغدادي الصوفي ولقبه، والعصر الذي عاش فيه، وأعماله المتسعة بطول تعميره (ص66)، أمَّا مقالُ «سنة سعيدة في دار المعلمين العالية»، فهو خاص بالمؤسسةٌ التكوينية التي تحولت لاحقاً إلى كلية التربية، أمضى فيها الشيبي عاماً واحداً، كان أحلى وأروع من جميع سنوات الجامعات الأُخَرِ، ولروعة المقام فيها وسحره، أطلق الطلبة عليها «طوبى وحسن مآب» (ص71)، ومن حسناتها أنَّها كانت سوق عكاظ عراقية (ص75)، مدرسوها من الصفوة، ذكر منهم طه الراوي، وبدوي طبانة وآخرين، واستذكر زملاءه وزميلاته ممَّن كانوا يصنعون بهجة «دار المعلمين» وفرحتها، كبدر شاكر السياب، وسليمان العيسى، العلميْن الشعرييْن المشهوريْن، كما كانت فضاء للرياضة والاستجمام، والمسرح والغناء.

مقالة صحفية

وخصَّ مقال «الشيبي وفن المقالة الصحفية»، حديثه عن رغبة الشيبي في تقاعدٍ مسبقٍ، فقد طلب إحالته على التقاعد لضيقه من الواقع الجامعي المهترئ، وتفرَّغَ للبحث والنشر، والمشاركة في المؤتمرات، وكتابة المقال الصحفي الجديد بطابع علمي، مختاراً لها جريدة «العراق»، لاقت مقالاته صدى واسعاً لدى النخبة (ص79)، ثم مقال «مشاهدات في بلاد الهند»، دُعِيَ فيها الشيبي إلى احتفالية الزعيم الهندي «أبي الكلام آزاد» مشاركاً ومحققا صحفياً، فزار المتحف الهندي، ومسجد تاج محل، ومدينة بيجابور المشهورة، وموقع قلعة النمر Tiger Fort، في جايبور، وروى ما رآه من الفيَّال وعُبَّاد الفيل وآخرين، وأراد الكاتب مقال «حوار صحفي مع آخر الدراويش»، لقاءً افتراضياً مع أستاذه كامل مصطفى الشيبي، طرح عليه اثني عشر سؤالاً، كانت أجوبتها حقيقية لا افتراضية، استقاها الكاتب من صميم صحبته لأستاذه طيلة نصف قرن (ص103)، سأله أولاً عن علاقته بالكتابة، فذكر ولوجَها شاباً حدثاً، بتشجيعِ أستاذه «مصطفى جواد»، وبتزكيته أفسحت «مجلة المجمع العلمي العراقي» صفحاتها عن أول بحث له، وسأله عن حال الفلسفة، فأكَّد أنَّ الحديث عنها ذو شجن في عراق عصره (ص114)، والتاريخ يقرُّ بتناسلها قديما على أرضه، لكن رغم الحجر عليها، استطاعت حَجْز مكانة محترمة بمثابرة بعض الجادين، الذين سطعت أسماؤهم وازنة كمدني صالح، ود. ناجي عباس التكريتي، ود. عرفان عبد الحميد، ود. حسام الألوسي، بل إنَّ التكوين العصامي فيها أوجد فيلسوفاً بحجم وقامة عبد الكريم الزنجاني، الذي انحنى له في مصر طه حسين اعترافاً وتبجيلاً، بل إنَّ الشيبي نفسه، وقع في غرامها، وتسلَّل إليها خلسةً على غفلةٍ من إدارة البعثة العراقية التي أرسلته للتكوين في اختصاص اللغة العربية في جامعة الإسكندرية، فوجَّه نفسه إلى الفلسفة، وتوغَّل دراسةً فيها سنين، أبهر خلالها أساتذته، وأُرْجِعَ عُنْوَةً للدراسة في الاختصاص الأصل، حتى إذا ما انتهى، انقلب إليها مرَّةً أخرى مفتكَّاً درجتيْ الماجستير والدكتوراه (ص134)،

واسترسل في حواره يستذكر وجوهاً عراقية صنعت الحدث الثقافي كمعروف الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، ومحمود شكري الألوسي، أول عربي فائز بجائزة أوروبية قبل جائزة نوبل، والفنان محمد القبنجي الذَّائع الشُّهرة، ثم إلى الحلاج والسهروردي ومفاهيمهما، من نظرية الإشراق، المتطورة عن نظرة الحلاج إلى الوجود، ينقُض بها فلسفة مشائية، ومنطقاً أرسطياً، ثم عن عبد القادر الكيلاني الوحدوي الديني، الذي أخرجه أتباعُه عن طبيعته البشرية، وسأل الكاتبُ الشيبي عن «البهلول بن عمرو الكوفي»، فأكد عالمية شخصيته، وأسهب في الحديث عنه، وكما بدأ كتابه بـ «أول الحكاية»، ختمه بـ «آخر الحكاية»، يُسْدِل فيها الدكتور طه جزاع الأستار عن حكاية شجرة الصحبة المباركة.

جاء الكتاب في 187 صفحةً، في أحد عشر مقالاً، ركَّز على سيرة الدكتور كامل مصطفى الشيبي، الذي طافت حوله السِّيرُ، خادمةً سيرته، ويبدو الكاتب الدكتور طه جزاع وفيّاً لصداقة إذا قطعها الموتُ، أحياها بالذكرى، ويبدو من ثنيات السطور رسالتان تتعلقان بالفلسفة: رسالة خبرية مفادها ضرورة وأهمية الفلسفة في بناء الفرد والمجتمع، والثانية تساؤلية استفهامية مفادها، كيف تحول العراق من حاضنٍ للفلسفة إلى زاهدٍ فيها؟


مشاهدات 417
الكاتب عبد اللطيف الحاج اقويدر 
أضيف 2024/03/22 - 10:11 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 3:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 298 الشهر 11422 الكلي 9361959
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير