فاتح عبد السلام
تبدو هناك علامات أولية على عودة أجواء العام 2012 المعقدة في العلاقة بين بغداد وأربيل. هناك أزمة لم تعد مكتومة بعد أن أعلن ممثل إقليم كردستان في المحكمة الاتحادية العليا الانسحاب من عضويتها، وهذا يذكرنا بسلسلة الانسحابات التي جرت سابقا من مناصب يشغلها الكرد في الحكومة الاتحادية ببغداد، واسفرت تلك الأجواء المتأزمة تدريجيا عن تداعيات استغلها تنظيم داعش وانتهت بسقوط ثلاث محافظات بيد التنظيم.
إقليم كردستان يرى نفسه من خلال العناوين الاتحادية وليس من خلال العناوين المركزية، كون ذلك يتعارض مع الدستور. كما انّ المسميات “الاتحادية” لا تعود دالةً على معانيها ومضامينها اذا انسحب من المشاركة فيها إقليم كردستان، هذا ما يقوله الوضع السياسي والدستوري في العراق منذ العام 2003 وعلى نحو أدق منذ العام 2005.
قد لا تكون المشكلة كلها في قرارات خاصة بإلغاء كوتا الاقليات في الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان أو ما يخص حصة رواتب موظفي الإقليم التي تقلق حياة اعداد كبيرة من العوائل في الإقليم الذي هو عراقي قبل ان يكون كردياً من الناحية الدستورية والتسلسل التاريخي ايضاً.
أرى انّ من الممكن تجاوز هذه المشكلات المعترضة طريق الصلة بين بغداد واربيل، لاسيما إذا عاد خط تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي المتوقف منذ ما يقرب من السنة. لكن الذي يبعث على القلق هو ان تكون هناك “نيات مبرمجة” لدفع الأمور الى تطورات سياسية جديدة في العراق تتصل بمستقبل بند” الحكم الاتحادي” في العراق، مما يهدد وجود الفيدرالية التي تتمتع بها القومية الثانية في البلاد، ولا يمكن لأي مراقب في الشأن السياسي العراقي أن يتجاهل الإشارات الصريحة لهذه المخاطر في تصريحات وبيانات القيادات الرئيسية في أربيل ، لاسيما بيانات رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني الذي قال صراحة في رسالته لمناسبة ذكرى بيان الحادي عشر من آذار 1970 الذي وقّعه جده قائد الثورة الكردية الراحل الملا مصطفى بارزاني مع صدام حسين، في انّ تداعيات التراجع عن الالتزام ببنود ذلك الاتفاق التاريخي والذي تتوج في حقبة لاحقة بإعلان الفيدرالية، مستمرة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
هناك مخاوف لدى إقليم كردستان على مستقبل الفيدرالية بسبب توجهات معينة في اطار «الدولة الاتحادية» قد تبدو متفرقة ومنعزلة حاليا، تفيد بمحاولات الرجوع بالزمن الى الوراء، وهذا خطر نوعي يتهدد الاستقرار في العراق.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية