الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في تذكّر شاعر سيمفونية التيه العراقي

بواسطة azzaman

أذن وعين

في تذكّر شاعر سيمفونية التيه العراقي

عبد اللطيف السعدون

لكأنما كتب على مبدعي العراق، من شعراء وروائيين وفنانين، أن يعيشوا ملاحم النفي والاغتراب والتشرد، جيلا بعد جيل، حتى أضحى الاغتراب، اختيارا أو قسرا، أو حتى عزلة وتوحدا داخل حدود البلاد، سمة ملازمة لعشرات من مبدعي هذا البلد الذي أودع الله فيه خزائن علمه وحكمته. وكما ترك ابن زريق البغدادي، قبل ألف عام، قصيدته اليتيمة المعروفة التي تحكي لوعته وحنينه، ومعاناته في الحل والترحال، فقد ترك لنا شاعر الأغنية العراقية زهير الدجيلي الذي تمر ذكرى رحيله هذه الأيام عشرات الأغنيات التي يحكي فيها، هو الآخر، لوعته وحنينه، لعل أشهرها الأغنية التي تجري على ألسنة مغتربي العراق ليل نهار حتى وصفت بحق «سيمفونية التيه العراقي»:

«يا طيور الطايره مري بهلي/ يا شمسنا الدايره ضوي لهلي/ سلميلي وغني بحكاياتنا/ سلميلي ومري بولاياتنا»  واذا كان البغدادي قد أحب فاغترب فعانى لوعة وحنينا حتى مات، فان الدجيلي كان مثله، أحب وطنا، كرس حياته كلها من أجله، وقضى أكثر من نصف عمره وهو يلهث مرتحلا بين هذه المحطة وتلك، يعدها واحدة واحدة عله يجد فيها رسم محطته الأولى، العراق، التي وهبها حياته وشعره وقلمه، واختزن مدنها وأهلها وأنهارها وأشجارها وطيورها واغنيات أطفالها ملء سمعه وبصره، وظل يسأل ويأمل، يجاهد ويجالد، حتى أدرك في نهايات عمره أن حكمة الحياة هي نفسها حكمة الموت، وان العمر تحول الى محطات.

«يمته تسافر يا كمر واوصيك/ والوادم البيها الأمل تدليك/ كبلك ردت لي مسافر لديرة هلي/ شكد دورت ما حصلت/ صار العمر محطات/ عديتهن وما مش عرف/ وكل العمر محطات»

ملحمة ترحاله

وعلى امتداد ملحمة حله وترحاله ظل زهير أمميا مخلصا لفكره حتى النخاع، نظر الى «الشيوعية» على أنها « مصير الكون، حتى لو طال هذا الزمن ألف سنة» لكنه كان عراقيا حتى النخاع، يحلم أن تكون بلاده «أحلى وطن/ مو أرض مهجورة/ مو أرض تغزوها الذئاب، والبشر مذعورة»، ولم تمنعه «شيوعيته» من مواجهة حزبه بالنقد مرة، وبالعتاب مرات، وهو يلحظ جحوده ليس له فحسب انما لأهل البلاد كلهم:

«أرجوك يا عمري انتبه/ الدنيا صارت مقتلة/ وأمريكا هي القاتلة/ لا تأتلف ويه الاحزاب السافلة/ ولا تضع أيدك بأيادي القتلة». لكن الحزب لم يعبء بصرخة زهير، ولا بصرخات غيره، ووضع يده بأيادي الغزاة، ورضي أمينه العام أن يدخل ممثلا لطائفته في مجلس الحكم الذي أنشأه الأميركيون، كما قبل بالمشاركة في الحكومات والهيئات التي أقامها الاحتلال، عندها فقد زهير الأمل في حزبه، ولم يعد يكتب سوى لوطنه:

«حتى اللي كنت أتمنى بيهم خير/ راحوا عنك وساروا مع الخانوك/ صاحوا بيك فرهود وصرت منهوب/ ما هابوك/ ولا رحموك/ ولا حنو عليك/ عشر سنين خلوك بعذاب وضيم/ حتى الموت مل منك وما هدوك».

لم يقدر لزهير الدجيلي أن يعيش حياة طبيعية في وطنه اذ تعرض للاعتقال في كل العهود ابتداء من العهد الملكي ومرورا بعهود الجمهوريات حتى اضطر أن يترك وطنه مرغما، وعندما عرض عليه بعد  الاحتلال ان يعود الى بغداد ليعمل مع شركة اميركية للعلاقات والاعلام رفض العرض لأنه لم يتعلم أن يضع نفسه في خدمة الأميركيين، كما قال، وفضل البقاء في الغربة، وفي آخر محطة من محطات العمر رقد فوق سرير بارد، ممدود على أرض غريبة، لتأخذه منا غيبوبة طويلة، كان يحلم فيها بوطن «ذبح بسيوف الطوائف» كما وصفه في آخر قصائده، وقد رحل بعدها، وفي قلبه غصة لأنه لم يوفق في العودة الى ديرته الأولى التي وقعت في قبضة تجار الطوائف واللصوص وقطاع الطرق:

«يا فشلة الملهوف ويدور هله/ يا فشلة الما يوصل لديرة هله» ما يواسيه ان الطيور التي رافقته في هجرته، والتي ناشدها أن تطير لديرته التي أحبها، وأخلص لها، هي الأخرى، لم تعد تحط في بغداد وفاء منها له.


مشاهدات 456
أضيف 2024/03/02 - 2:17 AM
آخر تحديث 2025/03/11 - 10:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 294 الشهر 6112 الكلي 10567061
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير