الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زينب بنت علي .. ربيبة النبوة وسيدة الصبر

بواسطة azzaman

زينب بنت علي .. ربيبة النبوة وسيدة الصبر

حسين الزيادي

 

  جاش في القلب عبير الذكرى لشعلة لا تنطفأ ووهج لا يخمد وصرخة لا تستكين وقامة لا تطال، وكيف لا يكون ذلك والحديث يدور حول زينب بنت علي عليها السلام، تلك السيدة الجليلة المبجلة صاحبة القدر المعلى والمكانة السامية، ثاني أعظم سيدة من سيدات البيت النبوي، ازدحمت حياتها عليها السلام بالفضائل والكرامات، وماجت بأركان العظمة والقداسة، ومقومات الرقي والالهام، فحار المرء الى أي فضيلة يشير، ومن أي الزهور يقتطف، وقد اجتمع في شخصها فيض النبوة وعطاء الامامة، فهي حفيدة خاتم الانبياء، امها سيدة نساء العالمين وبضعة الرسول الاكرم، وابيها ابو السبطين فارس الاسلام وابن عم الرسول، وجدها لابيها سيد العرب والعجم وعظيم البطحاء ابو طالب، وجدتها لأبيها السيدة الهاشمية فاطمة بنت اسد التي انزلها الرسول الاكرم في لحدها وقبل وصيتها، وجدتها لامها خديجة الكبرى سيدة امهات المؤمنين، واول من اسلمت من نساء الامة، فلا عجب ان تحتوي تلك الذات المبجلة على طيب الشمائل وكريم الفضائل مالم تحتويه غيرها من شخصيات عصرها، فهي النور التي واكب الأنوار الثلاثة: محمد وعلي وفاطمة، ومن تلك الأنوار تكونت شخصيتها عليها السلام فتجسدت بمواقفها خصائص النبوة والامامة.

  ان الالمام بحياة بطلة كربلاء ولبوة البيت العلوي امر صعب مستصعب لا تحتويه الكلمات ولا ترتقي اليه العبارات، فقد كانت عليها السلام ثابتة الجنان، عظيمة القدر، خطيبة مفوهة، فصيحة اللسان، عالمة غير معلمة كما وصفها ابن اخيها الامام السجاد، عرفت عنها الشجاعة النادرة والجرأة العظيمة وكيف لا تكون كذلك وقد تربّت على مائدة الطهر والشرف والإباء، محوطة بكتاب الله الكريم وسنة جدّها الكريم، وما زال الحديث عن بطولاتها تداوله الاجيال ومازالت مواقفها تثير الاعجاب، فقد تحملت ما يعجز عن حمله الرجال، وابدت في مجال الصمود والثبات ما لا يقوى عليه احد من الناس، ثبتت في الموقف والاحداث كالطود الشامخ تاركة على تراب كربلاء اجساد اهل بيتها مضخمة بدماء الشهادة مقطعة الأشلاء، كان عويل النساء وصراخ اليتامى واهات الامهات كفيلاً أن يهد اقوى الرجال، ويخرس أفصح الالسنة، ويقعد بأشجع الشجعان، فكيف بمن رأى ما حل بأهله وبنيه واخوته وأبناء اخوته وأحس بثقل المسؤولية وجسامتها، ولكن ابنة علي كانت تجسد مواقف ابيها في كل موقف فكانت أثبت من الجبال الرواسي في الشدائد ، وبقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرة العين تجول بين خيام اخوتها وابنائها ، وفي صبيحة العاشر من محرم كانت جبلاً من الصبر لم تهزه المصائب، ولم تنل منه الأهوال.

بلاغتها

بلغت السيدة زينب قمة البلاغة والفصاحة، فذكر ممن سمع خطبتها في الكوفة بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام (لم ار والله خفرة انطق منها كأنما تفرغ عن لسان ابيها امير المؤمنين)، وفي الشام بمحضر يزيد كانت ألمع خطيبة عرفها  الإسلام، فقد هزّت العواطف، وملكت القلوب، والهبت المشاعر، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي، وهو امر ينم عن ثرائها المعرفي وغناها الادبي وغزارة علمها وخصب معرفتها، فقد كانت كلماتها تجلجل في النفوس ممّا أدى إلى بكاء ونحيب الحاضرين، وإشعارهم بالإثم والذنب الكبيرين اللذين ارتُكبا بحقِّ الإسلام ونبيه ووريثه ، كانت حياتها عليها السّلام استمراراً لنهضة أخيها الشهيد عليه السّلام، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي حفظ مُعطيات الثورة الحسينيّة الخالدة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال احداث الثورة وتفاصيلها ، عاشت أقسى وأشدّ ما يعانيه إنسان وهي ترى بأُم عينيها مشاهد وفصول واقعة كربلاء الاليمة وبقت تحمل ذكرياتها في ضميرها ووجدانها ، الأمر الذي دفع السلطات إلى أن تحصي عليها أنفاسها وتراقب حركاتها وسكناتها.

محنتها 

 مصائب كبيرة تضمنتها حياة السيدة زينب عليها السلام حتى لقبت من قبل المتأخرين بأم المصائب وكعبة الاحزان، فجعت بأمها فاطمة الزهراء (ع) بعد رحيل جدها النبي الأعظم بأشهر قليلة، وجلست عند رأس أبيها الإمام علي (ع) حين استشهاده، ثم فجعت بأخيها الإمام الحسن (ع) المسموم، ثم جاءت المصيبة الأعظم في كربلاء، وهي تشاهد أخاها الإمام الحسين (ع)، وأخاها أبو الفضل العباس (ع)، وأولادها وأهل بيتها، مقتولين مضرجين بالدماء.

علمها

 لعظم منزلتها وجليل قدرها كان الامام الحسين (عليه السلام) إذا زارته زينب يقوم اجلالا لها , وكان يجلسها في مكانه، وقد ذكر أهلُ السِّيَر أنّ لزينب بنت علي عليها السّلام مجلساً خاصاً لتفسير القرآن الكريم وتعليمه تحضره النساء،، وكانت سلام الله عليها آيةً في ذكائها وعبقريتها، فقد حفظت القرآن الكريم ونقلت عن اهل بيت النبي، ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول: حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي، وقد روى عنها الخطبة الفدكية الذي ألقتها اُمّها سيّدة النساء فاطمة عليها السّلام، وقد نابت عن ابن أخيها الإمام علي السجاد عليه السّلام في أيام مرضه، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعية.

شجاعتها

امتلكت سيدة البيت الهاشمي من الشجاعة مالا يملكه الفرسان فهاهي تنقض على هرم السلطة الاموية يزيد بن معاوية الذي عرف ببطشه في عقر داره فتخطب خطبتها التي ابكت الحاضرين وكادت تذهب بملك يزيد وذكرت في خطبتها ما كان يخشى قوله الاخرون ، فقالت (أمنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرَك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هُتكت ستورهن، وأبديت وجوههنَّ، .....، وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف يستبطأ في بغضنا اهل البيت مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم داعياً بأشياخك ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك .. ).

مواقف خلدها التاريخ

من المواقف التي خلّدها لها التاريخ دفاعِها عن ابن اخيها الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، ولها موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، اذ خاطبها قائلاً: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا، فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ ؟ فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً، هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة! ، ولم يستطع ابن زياد إكمال الحديث معها لما وجد فيها  من عنفوان وصلابة وعزة وشموخ فأدار الحديث مع أحد أبناء الحسين، وهو علي ابن الحسين الأصغر (علي السجاد) فسأله ابن زياد: من أنت ؟ وهم بقتله لكن العقيلة تمسكت به واقنع بعض الحاضرين ابن زياد فتركه، فقد  شاءت الارادة الالهية ان لاتخلو الارض من نسل ال محمد.

رباطة الجأش

امام هول المنظر ومآسي الحرب كانت السيدة زينب تمتاز برباطة الجأش، لم تكل أو تضعف بل استطاعت ان تتفقد النساء والاطفال، وتعيد روعة النفوس لمن هزه المنظر المؤلم، أبدت تجلّداً وصبراً لا يطاق، وإلّا كيف يتصور أن تنظر إلى أخيها الحسين ممزّق الأشلاء يسبح في بُرْكة من الدماء، وحوله اجساد ممزقة لاخوتها وأبناء إخوتها وأبنائها، ثمّ تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها، لتقول كلمة لا يقولها الإنسان إلّا في حالة التأنّي والثبات والاطمئنان: (اللّهمّ تَقَبَّل مِنَّا هَذَا القليل من القربان) وفي موضع اخر تقول (لم ار الا جميلاً).

وتأسيساً على ماتقدم يذهب البعض الى ان مصائب زينب زادت على مصائب أخيها الحسين عليه السلام أضعافاً مضاعفة، فهي قد شاركته في جميع مصائبه وانفردت عنه بالمصائب التي رأتها بعد استشهاده من النَهْب والسَلب والضرب وحرق الخيام والسبي.

السلام عليك يا سيدة البلاغة وجبل الصبر، السلام عليك يا فرع الدوحة المحمدية والشجرة العلوية والكرامة الفاطمية والسماحة الحسنية والشجاعة الحسينية، السلام عليك يا منار القدس المحمدي وحليفة التهجد والذكر والدعاء، والقوامة لله بالحمد والشكر والثناء في السراء والضراء ورحمة الله وبركاته.


مشاهدات 742
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2024/01/26 - 10:17 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 8:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير