(الزمان) تنفرد بنشر ممهّدات مذكّرات القيادي والوزير الأسبق صلاح عمر العلي:
السياسة العشوائية المرتبكة للنظام تسبّبت بحروب إقليمية ودولية خاسرة
□ الخلاف بين البعثيين والشيوعيين تحول الى صراع دام في 8 شباط 1963.
□ عبد الرحمن عارف اقل عدوانية من شقيقه عبد السلام.
□ انا أحد المخططين والمنفذين لثورة 17 تموز 1968 وهذه هي سلبياتها.
□ أنا صريح وصادق في كل كلمة أو فكرة أو معلومة قلتها.
□ هذا الكتاب ليس مذكرات شخصية ولا بحثاً تاريخياً او سياسياً أو فكرياً.
□ لعائلتي دور وطني ومكانة اجتماعية ليس في تكريت حسب بل والعراق عموماً.
يصدر خلال هذا العام كتاب :
(ذكريات واحداث عراقية). تاليف شقيقي الراحل صلاح عمر العلي، عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وعضو مجلس قيادة الثورة سابقاّ ،ووزير الثقافة والاعلام الاسبق. والكتاب من الحجم الكبير ويضم بين دفتيه معلوماتٍ واحداثاً يتم كشفها لاول مرة. وكذلك الحديث عنها.
وبما أننا نعمل على اقامة حفل تأبيني لاربعينيته، ننشر مقدمة الكتاب والتمهيد الذي ثبته الراحل في صدر المذكرات.
بهدف اتاحة الفرصة لمن يعنيهم الامر لتكوين فكرة عن اهم القضايا التي يتناولها الكتاب.
□ الاعلامي وليد عمر العلي
عشت وشهدت وشاركت ونفذت أخطر القرارات السرية الفاصلة التي غيرت لاحقاً مسار الأحداث التاريخية في العراق. وربما لم يتجرأ أحد حتى اليوم على كشفها أو إعلانها لأن شهودها قد إختفوا جميعاً من الوجود. وقد يكون بقائي حياً بعد واحدة من تلك المصادفات النادرة، وها أنا أعرض أمامكم بكل صدق وأمانة تفاصيل تلك الأسرار ألمثيرة التي لامست حياة الملايين من شعب العراق.
تمهيد
الصادقون قلة، والصدق موقف أخلاقي لا يعول على إفتراء النقاد، ولاسيما الذين يبطنون أكثر مما يظهرون، ويهربون الى أمام بإخفاء الحقائق. ليس هناك شيء في حياة الانسان أثمن وأفضل من التعامل مع الذات أو مع الآخرين بصدق ونزاهة وإخلاص، فالصدق يمنح الإنسان طاقة من القوة والرضا النفسي وراحة الضمير، كما يمنحه القدرة على التواصل مع الآخر، كيفما كان هذا الآخر، صديقاً حميماً أم عدواً لدوداً. ويمهد له الطريق للعيش في حالة من ألتوازن والإستقرار في ظل مناخ صحي خال من المطبات والعوائق. وليس من دون مغزى أن نجد للصدق والامانة والاخلاص في السلوك والعمل، مكانة متميزة في الفكر والثقافة العربية والاسلامية. ففي كتاب الله العزيز تكاد لاتخلو سورة من سوره ألكريمة من الإشارة أو التذكير أو النصح بالتمسك بالصدق والاخلاص في كل مناحي الحياة، وعلى الخصوص في التعامل مع الناس. وهل هناك مبالغة في القول بأن رسولنا الكريم (ص) إكتسب لقب الصادق الأمين في قومه وأهله وعشيرته قبل نزول الوحي عليه، وهو القائل: (لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا) ثم يقول: (كَبُرَتْ خيانة ان تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وانت له كاذب). هكذا فهمت معاني الحياة منذ نعومة اضافري، وتربيت ونشأت عليها، وهكذا تعاملت معها ومع مختلف احداثها الصغيرة والكبيرة، طوال حياتي الحافلة بالكثير من الأحداث والتحولات التي تركت بصماتها المؤثرة على مسيرة التأريخ العراقي والعربي، فلم أجد اليوم وأنا أكتب وأدون الكثير مما بقي من تلك الأحداث والتحولات، شاخصا في الذاكرة، في وقت أدلف فيه الى منتصف العقد الثامن من العمر سوى الإصرار على التمسك بالصدق والامانة والنزاهة في تدوينها. إنه عهد مع الله أولا، ومع الذات ثانيا، قطعته على نفسي مختاراً. ومن هنا فإنني سأذكر عبر صفحات هذا الكتاب ما هو لي، وللآخرين، وما هو علي وعلى الآخرين، دون تجني أو إفتراء على أحد أو كيد أو ميل أو زيغ، أو رغبة في الإساءة أو الانتقام او الابتزاز أو تحريف او تشويه للحقائق، خصوصا وأن العديد من الاشخاص الذي سآتي على ذكرهم عبر صفحات هذا الكتاب أُصبحوا، في ذمة الله، كل ذكر هنا وكل تدوين هناك خدمة للحقيقة أولاً ولأجيالنا القادمة ثانياً.
المقدمة
يتناول هذا الكتاب إضافة إلى ألذكريات ألشخصية، عرضا للتطورات والأحداث السياسية التي شهدتها الساحة العراقية، منذ أواخر العهد ألملكي وحتى إحتلال الولايات ألمتحدة للعراق عام 2003، مرورا بقيام ثورة 14 تموز المجيدة التي أسقطت النظام الملكي، وأعلنت قيام النظام الجمهوري بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف، والخلاف الذي دب مبكراً بين اطراف جبهة الإتحاد الوطني وخصوصا بين كل من حزبي البعث والشيوعي العراقي الذي سرعان ما تحول إلى صراع سياسي تمحور حول موضوع الوحدة العربية ثم إلى صراع على الموقع والدور في العهد الجمهوري. لينتقل بعد ذاك إلى صراع دموي بين البعث والشيوعي، راح ضحيته العديد من أعضاء وكوادر ومؤيدي كلا ألحزبين كما راح ضحيته العديـــد من الأبريـــــاء من المواطنين العراقيين. وكذلك حالة الصراع الذي نشــب بين قائدي الثورة فيما بعد، ذلك الصـراع الذي تداخــل مع الصراع المحتدم بين القوى السياسية، وإنحياز حزب البعث إلى جانب عبد ألسلام عارف فيما إنحاز ألحزب ألشيوعي إلى عبد ألكريم قاسم. والذي إنعكس على مجمل تنظيم ألضباط الأحرار وأودى بحياة العديد منهم.
هل تأجل الصراع؟
ولم يتوقف ذلك ألصراع بعد إنتصار ألبعثيين في ألثورة التي نفذوها في 8 شباط عام 1963، بل تحول الى صراع دام في ألايام ألاولى لتلك الثورة. وكذلك ورث البعثيون عام 1968 حساسياتهم تجاه الشيوعيين، فقامت أجهزة الأمن بمتابعتهم، وقتلت بعض كوادرهم في الشوارع، قبل الإعلان عن قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، فتأجل الصراع بضعة سنوات، لينفجر من جديد بإنهيار الجبهة عام 1979. لقد واجه قادة تلك الثورة( 8 شباط )، المشاكل ألمعقدة الجسيمة لادارة الدولة .حتى إنتهت بإنقلاب عسكري قاده رئيس ألجمهورية عبد ألسلام عارف وعدد من كبار ضباط ألجيش في 18 تشرين من ألعام نفسه. وما تبع ذلك من حملة ألاعتقالات ألواسعة والمطاردات ألتي شملت قادة ألبعث وكوادره. فتعرض ألعديد منهم إلى الإعتقال والتعذيب والفصل من وظائفهم وحرمانهم من ممارسة حياتهم الإعتيادية.
مقتل عبدالسلام عارف
وفي 13 نيسان 1966، قتل ألرئيس عبد ألسلام عارف بحادث سقوط طائرته المروحية فوق محافظة ألبصرة جنوب ألعراق، ليتولى رئاسة ألجمهورية من بعده شقيقه عبد ألرحمن عارف ألذي كان أقل قسوة وعدوانية من شقيقه عبد ألسلام. واعــــــــلان تشكيل ألاتحاد ألاشتراكي العربي الذي انطوى تحت تنظيمه العديد من الاحزاب والقوى والشخصيات القومية في العراق عام 1964.
انشقاقات متتالية
ومن ثم تعرض البعث الى إنشقاق جديد بعد الانقلاب العسكري الذي قاده أعضاء اللجنة العسكرية وفي مقدمتهم كل من صلاح جديد وحافظ الاسد يوم 23 شباط عام 1966. وكذلك أصبح الحزب الشيوعي في شهر آب 1967 حزبين بعد إنشقاق القيادة المركزية بقيادة عزيز الحاج وكوادر منظمة بغداد عن الحزب الام بقيادة عزيز محمد. ودخول القوى السياسية في سباق محموم فيما بينها للوثوب إلى ألسلطة في وقت نشطت فيه شبكات ألتجسس والقوى ألرجعية في ألعراق واصبحت ظاهرة خطيرة باتت تهدد مستقبل ألشعب ألعراقي ومصير ألعراق.
وهو ما حفزالبعث على القيام بثورة 17 تموز عام 1968، ألتي أطاحت بحكم عبد ألرحمن عارف. ومن ثم ألقضاء على جيب ألمقدم عبد ألرزاق ألنايف معاون مدير الإستخبارات ألعسكرية ألسابق ألذي أصبح رئيساً للوزراء وحليفه ألمقدم إبراهيم عبد ألرحمن ألداوود ألذي إحتل منصب وزير ألدفاع في ألثورة مدة 13 يوما قبل ألتخلص منهما.
الحاكم الفرد
لقد وقفت مطولا أمام مسيرة ثورة 17 تموز بصفتي أحد ألمخططين والمنفذين لها بشيء من ألتفصيل ألموسع وما حققته من إنجازات ومكاسب مهمة لصالح ألشعب ألعراقي، وكذلك ما حدث من سلبيات وإنحرافات وتشويه لمسيرة تلك ألثورة ألتي أدت إلى بروز ظاهرة ألحاكم ألفرد ألذي هيمن على السلطة وسيطر على حزب مناضل هو حزب ألبعث وعلى ألمجتمع بكامله، مدة ثلاثة عقود تقريبا. وشن الحروب والصراعات ألتي تواصلت في ألداخل والخارج. وقد عكست تلك التطورات حقيقة غياب إستراتيجة مدروسة ومقررة سلفا من قبل ألقيادة بديلاً عن سلوك ألفرد ألذي لم يعد بإمكان أي مسؤول حزبي أو رسمي الإعتراض على قراراته بصرف ألنظر ما إذا كان ذلك في صالح ألشعب والوطن أم لا.
حروب خاسرة
ودفعت تلك ألسياسة ألعشوائية المرتبكة بالنظام للتورط في أكثر من حرب إقليمية أو دولية خاسرة. والتي كانت خاتمتها ألحرب الأمريكية العدوانية عام 2003 التي أدت الى إحتلال ألعراق وتدمير بناه ألتحتية بالكامل وسحق مرتكزاته الأساسية ألتي شيدتها أجيال ألعراق ألمتعاقبة خلال ثمانية عقود من ألزمن.
أعوام الحصار
ويستعرض ألكتاب أيضا فترة ألاعوام الثلاثة عشر ألتي إبتدأت بالحصار ألدولي ألجائر ألذي فرضته ألولايات ألمتحدة بقرار من مجلس الأمن على ألعراق لغاية قيام ألحرب الأخيرة مرورا بعدد من ألمحطات ألهامة كالتفاوض بين ألنظام والاكراد مجددا والتي لم تثمر عن نتيجة. وتنامي أعداد واحزاب وأطراف ألمعارضة ضد ألنظام. والمؤتمرات ألتي عقدتها تلك ألمعارضة وصراعات الأضداد ألتي نشبت بين فصائلها ألمختلفة ألتي وصلت إلى حد إستخدام ألسلاح فيما بينها وإنقسامها إلى تيارين تيار وطني كان يتمسك بألحل ألوطني لأزمة ألعراق بعيدا عن أي تدخل أجنبي، بينما إرتبط ألتيار الثاني وهو يمثل ألنسبة الأكبر منها إرتبط ولاء وتبعية بالمشروع الأمريكي ألرامي لإحتلال ألعراق وتدميره. واخيرا من هو عراب ألمشروع الأمريكي ألرئيسي؟!.
دروس وعبر
كماتناول هذا ألكتاب موضوعات أُخرى، لا تخلو من دروسٍ وعبرٍ ذات دلالات حياتية وإجتماعية وسياسية مفيدة. كما تناول ملخصاً لسيرة الكاتب الذاتية وتأريخ عائلته ودورها ألوطني ومكانتها الإجتماعية ليس في مدينة تكريت وحسب، بل والعراق بشكل عام. ولعل أهم ما أستطيع أن أُصارح به ألقاريء هو أنني كنت صادقاً وصريحاً في كل كلمة أو فكرة أو معلومة أوردتها في هذا ألكتاب.. وقد حرصت أشد ألحرص على الإلتزام بالموضوعية والأمانة العلمية والإبتعاد عن ألنزعة الذاتية في جميع الفصول والعناوين.
عدد محدود من الاصدقاء
وقد تم إنجاز الكتاب بعون من الله أولا، وبمساعدة عدد محدود من الأصدقاء ممن عاصروا شطراً مهما من ألتجربة ألسياسية ألتي عشتها، معتمدا في الكتابة على الذاكرة في أغلب ألاحيان، ومستعينا ببعض ألمصادر ألقليلة أحيانا أخرى.
المفاجئات السياسية
وربما أجد من ألضروري أن أُصارح ألقاريء بأن هذا ألكتاب ألذي أضعه بين يديه بعد جهد وتدقيق دام ثلاث سنوات ليس كتاباً في ألمذكرات ألشخصية ولا هو بحث تأريخي أو سياسي أو فكري، بل هو أقرب ما يكون إلى السرد القصصي المترافق بالأحداث الوطنية ألمثيرة والمفارقات ألصادمة والمفجآت ألسياسية غير ألمتوقعة. وبسبب ذلك فقد رأيت تسميته (ذكريات وأحداث عراقية عاصفة). ولا يفوتني التاكيد على انني اغفلت عدداً من المواضيع لاسباب ودواعي تتعلق بامن بعض الاشخاص في ألظروف الراهنة. وأخيراً، لابد من ألإشارة بأنني حاولت تنظيم مواضيع ألكتاب وتصنيفها على شكل فصول تندرج وفق تسلسلها التأريخي والموضوعي، إلا أنني وجدت إستحالة ذلك، نظراً للتداخل ألشديد والترابط بين موضوع وآخر. فلا يمكن إستعراض الأحداث في مرحلة بمعزل عن ألتطرق إلى ما قبلها أو ما بعدها من مراحل وأحداث، فعذراً للقاريء ألكريم.