لكن الطلاق لا بواكي له
منقذ داغر
صُعقت من أحصائية حالات الطلاق في العراق(عدا كوردستان التي لا أعلم لماذا لم تشمل بالأحصائية) لشهر آب 2023. وذكرتني هذه الأحصائية التي دأب مجلس القضاء الأعلى مشكوراً على نشرها بحزن الرسول(ص) بعد معركة أحد وهو يرى أهل المدينة المنورة يبكون شهدائهم،ولا أحد يبكي على عمه الحمزة(رض)وهو من هو في قرابته وشجاعته وخدمته للاسلام، فقال قولته المشهورة»لكن الحمزة لا بواكي له»! يعج أعلامنا بالمواضيع السياسية والأجتماعية التي يتم التركيز عليها مع قلة أهميتها،بل وتفاهتها أحياناً في مقابل موضوع الطلاق الذي يعد أحد أكبر مهددات النسيج الأجتماعي أن لم يكن أكبرها أطلاقاً،بخاصة في بيئة تنحاز للرجل وتجعل من الطلاق مثلبةً للمرأة ومنقصةً لها،ناهيك عن تبعات ذلك على أطفال المطلقين.
تشير الأحصاءات الى أن العراق شهد حوالي 70 ألف حالة طلاق في عام 2022 وبمعدل يومي يصل الى 200 حالة طلاق. ومما يزيد الطين بلة أن هذه الأرقام لا تشمل كورستان العراق والا ستكون الأرقام أعلى. كما تشير الأرقام الى أن الربع الأول من 2023 شهد ما يقارب 20 ألف حالة طلاق! بمعنى أننا يمكن أن نصل الى 80 ألف في نهاية السنة وبنسبة زيادة 14% عن العام الماضي. هذه النسبة أكبر بست مرات عن نسبة النمو السكاني الحالية في العراق! وأذا أستمرت المشكلة دون علاج فأن هذا يعني أن عدد الطلاقات ستصل الى 105 الف حالة عام 2025!!
أعود لأحصائية شهر آب الماضي فمن أصل 19417 حالة زواج في عموم العراق(عدا كوردستان) سُجلت 6963 حالة طلاق،مما يعني أن نسبة الطلاق للزواج بلغت 36%. أجل،فالطلاق بات يمثل أكثر من ثلث الزواج، عندنا،وهو يقفز بشدة في بعض المحافظات التي تشير أرقامها الى وجود خلل كبير يجب الأنتباه له ومعالجته.ففي بغداد التي تشكل ربع حالات الزواج الكلية في العراق تقفز نسبة الطلاق الى الزواج لتصل 47بالمئة. وعلى الرغم من كبر هذه النسبة الا أن محافظات أخرى تجاوزت هذه النسبة بكثير.
فقد سجلت القادسية أعلى نسبة طلاق لتصل الى 71بالمئة من زيجات ذلك الشهر وهي نسبة مخيفة حقاً. كما سجلت كل من كربلاء والنجف نسبة طلاق بلغت 65بالمئة في حين سجلت واسط 52بالمئة. هنا لا بد من وقفة قصيرة تعطينا فكرة أولية عن أسباب الطلاق المرتفعة. فحوالي 31بالمئة من حالات الزواج في العراق تتم خارج المحاكم،وهذا يجري غالباً أما بسبب زواج القاصرات دون السن القانوني للزواج،أو زواج الأكراه والقسر بضمنه عادة سبي النساء»أو ما يسمى تلطيفاً بالفصلية» والتي عادت بقوة في السنوات الأخيرة وكأننا في عصر الجاهلية. ولا أدري ما المانع من تجريم الزواج خارج المحاكم لأي سبب كان،لكن المختصين بالأجتماع في العراق يقولون أن معظم حالات الطلاق تنجم أما بسبب العنف الأسري(أي الأعتداء على الزوجة) أو زواج القاصرات وزواج القسر. ولا يكفي في رأيي أن نشدد العقوبات على زواج القاصرات والقسر أو حتى الأعتداء على الزوجة لمعالجة المشكلة،بل يجب التصدي للاسباب التي تدفع لهذا العنف الأسري أو العشائري أو زواج القاصرات.
واضح أننا أزاء حالة تهديد «نووي» وليس تقليدي للأسرة والمجتمع العراقيين. فبعد أن قرأت هذه الأرقام أدركت أن الحلقات الكثيرة التي كتبتها عن المثلية وتهديدها للمجتمع لا توازي في أهميتها موضوع الطلاق كون نتائج الطلاق ليس على المطلقين والمطلقات وأبنائهم فقط،بل تمتد لتشمل أسرهم وكل المجتمع.
فالأسرة هي مؤسسة التنشئة الأجتماعية الأولى،وأذا تفككت فأن جيلاً مليئاً بالأمراض والأشكالات الأجتماعية سينتج لنا بضمن ذلك الشذوذ وسواها من الأعراض الأخرى. لذا فمن باب أولى أن تتنادى الفعاليات الأجتماعية والأعلامية والحكومية والبرلمان للتصدي لهذه المشكلة بطريقة أقوى مما تصدت به لما سمي ب»الجندر» و «المثلية» و «مجتمع الميم» . وأن من المعيب،بل والمخزي حقاً،أن تشريعاً لأجازة زواج القاصرات ما زال في أدراج البرلمان ولم يتم سحبه وأن أصوات سياسي-دينية تتعالى كلما أفلست شعبياً وسياسياً للمطالبة بتمريره تشريعياً.
أننا نحتاج لبواكي أكثر،وبأصوات أعلى على موضوع الطلاق في العراق،فصحيح أن كل شهداء أُحُد مهمين ومسلمين،لكن الحمزة لا مثيل له.