
![]() |
![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
النـص : أزمة التموين في العراق خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) عدنان البك مدخل كان لقيام الحرب العالمية الثانية أثر سلبي على نمو وتطور اقتصاديات معظم دول العالم، إذ أجبرت ظروف وتطورات الحرب الدول المتحاربة على إنفاق أموال طائلة لخدمة أغراض المجهود الحربي وتكييف صناعتها وتجارتها للأغراض العسكرية فعملت إلى تحويل مصانعها الإنتاجية السلمية إلى مصانع عسكرية تنتج الآلات الحربية وقطع الغيار وأثر ذلك بطبيعة الحال في انتاج تلك الدول من المنتوجات القطنية والصوفية والآلات الزراعية والبضائع الاستهلاكية، كما عملت ظروف الحرب على ارباك حركة المواصلات الدولية واشتداد المخاطر البحرية وارتفاع أجور النقل التجاري وكذلك ارتفاع أجور التأمين البحري على السفن التجارية، على أثرها اضطربت حركة الاستيراد والصادرات بين الدول الصناعية وبين الدول المستهلكة وارتفعت معظم أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والكمالية نتيجة ازدياد الطلب لأغراض الاستهلاك والخزن، كما أدت الحرب إلى نقص كبير في الإنتاج الزراعي والصناعي العالمي، فاضطرت الدول المتحاربة إلى تخصيص إنتاجها المخصص للتصدير لأغراض الاستهلاك المحلي بسبب النقص الكبير في الإنتاج، كما حصل نقص كبير في الأيدي العاملة والأراضي الزراعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، واجهت بريطانيا نقصاً كبيراً في عدد الفلاحين ونقص مماثل في الأراضي الزراعية وصل إلى النصف، نتيجة التحاق معظم الشباب بالخدمة العسكرية، وتحويل الأراضي إلى مناطق عسكرية، كما أصبحت معظم مناطق شرق آسيا والشرق الأوسط بمثابة مستودعات زراعية لخدمة المجهود الحربي للأطراف المتحاربة، فأدى ذلك إلى شحة المنتوجات الزراعية وخاصة الغذائية منها الحنطة والشعير والرز، كما أوجدت الحرب صعوبة في التحويل النقدي بسبب القيود التي فرضتها أقطار عديدة على تحويل العملة. أوضاع العراق الاقتصادية والاجتماعية قبيل الحرب العالمية الثانية: طرأت أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية على الواقع العراقي لابد من إلقاء نظرة سريعة عليها قبل التطرق إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. بعد تحرر العراق من الانتداب البريطاني في الثالث من تشرين الأول عام 1032م – أي قبل ما يقارب 90 عاماً – وأصبح عضواً في عصبة الأمم (هيئة الأمم المتحدة فيما بعد) كان ذلك مقابل اعتراف وإقرار العراق على الاعتراف بكافة المعاهدات التي عقدتها بريطانيا باسمه، وبكافة الالتزامات المالية وحقوق الشركات الأجنبية، مما هيأ لبريطانيا إمكانيات واسعة للتدخل في الحياة السياسية للعراق. اتسم عقد الثلاثينات بضعف الإدارة خاصة بعد وفاة الملك فيصل الأول، إذ أحدثت وفاته فراغاً سياسياً مما نتج عنه ظهور حركات عشائرية، منها: حركة الشيخ خوام (1935م) وبني ركاب (1936م) والرميثة في نيسان 1936م) وأدت هذه الحركات العشائرية ومقاومة السلطة إلى انصراف عدد كبير من الفلاحين عن الزراعة، مما أدى إلى ضعف الإنتاج الزراعي، كما أن توجه الحكومة نحو القضاء على هذه الحركات بالقوة أدى إلى تخصيص مبالغ مالية كبيرة من ميزانية الدولة لتجهيز القوات المسلحة، وعلى ما يبدو أن هذا الوضع أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر وإهمال الكثير من المشاريع الاقتصادية. كما أدى عدم استقرار الوضع الاقتصادي، وتعاقب وزارات متعددة على سدة الحكم إلى عدم ثبات التخطيط الاقتصادي، فكانت كل وزارة جديدة تقوم بإلغاء البرامج الاقتصادية لسابقتها وتحاول أن تبني سياسة جديدة، لذا كان من الطبيعي أن يتردى الوضع الاقتصادي سلباً بتردي الأوضاع السياسية واضطراب الأمن. واقع الاقتصاد العراقي قبيل الحرب العالمية الثانية: ساهم اكتشاف النفط عام1927م وتسويقه تجارياً عام 1934م في زيادة واردات العراق، إلا أن العراق لم يستفد من أموال النفط بسبب الامتيازات النفطية الممنوحة للشركات الأجنبية، فضلاً عن التخبط وانعدام التخطيط في صرف هذه الأموال بالإضافة إلى عدم استغلال عائدات النفط واستثمارها بالشكل الأمثل لتنمية الاقتصاد العراقي بما يحقق الطموح. الصناعة اعتمد الاقتصاد العراقي على الزراعة بشكل رئيسي، لذلك لم تقم في العراق صناعة متطورة ومعامل حديثة وبقي القطاع الصناعي يتمثل بوجود الحرف والصناعات اليدوية الموروثة، مما اضطر العراق إلى استيراد معظم حاجاته من البضائع الاستهلاكية والإنتاجية المصنعة من الخارج، وشهدت الصناعة نمواً بطيئاً في هذه الفترة، لأن الدولة لم تول اهتماماً يذكر لهذا القطاع. أما قطاع الصناعات التحويلية فقد شهد تحسناً في هذه الفترة، وأخذت تعتمد على تحويل بعض المنتجات المحلية كالتبغ والحبوب والقطن، بالإضافة إلى ذلك شهدت هذه الفترة ظهور صناعات أخرى كصناعة الكبريت والدباغة والطباعة. ويلحظ أن النمو في التصنيع اقتصر على قطاعين الأول هو قطاع المواد الانشائية كالطابوق التي أصبحت معامله حتى سنة (1939) تصل إلى (13) معملاً إلا أن هذا القطاع واجه عقبات مالية وسياسية، وزاد الطين بلة قيام الحرب العالمية الثانية، كذلك تم تأسيس شركة الدخان الأهلية عام 1936م. أما القطاع الثاني الذي شهد تحسناً في هذه الفترة فهو قطاع الصناعات التحويلية التي تعتمد على تحويل بعض المنتوجات المحلية كالتبغ والقطن والحبوب، ومن المفيد بالإشارة إلى ان الحكومة ساهمت في تطوير الصناعة فاتخذت عدداً من الإجراءات منها إنشاء المصرف – الزراعي – الصناعي – برأسمال نصف مليون دينار الذي ساهم في إنعاش الصناعة في الفترة ما بين (1936 1940- م) بتقديمه القروض لأصحاب المشاريع الصناعية وتسهيل استيراد المواد الأولية لتوسيع مصانعهم. التجـارة تطورت تجارة الاستيراد خلال هذه الفترة نتيجة تطور علاقة العراق التجارية بالدول الأخرى، ولعل أهم تطور طرأ على تجارة الاستيراد خلال فترة الثلاثينات هو ازدياد قيمة المستورد من اليابان، إذ أصبحت تحتل المرتبة الثانية للدول المصدرة للعراق، حيث بقيت الهيمنة في مقامها الأول باعتبارها أهم دولة مستورد منها. وشهدت التجارة العراقية تحسناً ملحوظاً لاسيما بعد تطبيق قاعدة الاستيراد النسبي (هو تحديد قيمة ما يمكن استيراده من اليابان وبين ما يمكن تصديره لها)، وقد بدأ تطبيق هذه القاعدة منذ أواسط عام 1936م، وكان الغرض منها إصلاح الميزان التجاري، وإيقاف زحف التجارة اليابانية واكتساحها السوق وبالأخص الأقمشة، وسرعة تلبية الصناعات اليابانية للطلبات كلما ترد إليها ولسهولة الدفع بسبب نظام العملة العراقية القائمة على أساس الصرف بالباوند الإسترليني. كانت واردات العراق تصل إلى (34.4 ٪) من بريطانيا من مجموع قيمة الاستيراد، والهند (52.11٪) وأمريكا (87.5٪)، فألمانيا (90.5٪) فبلجيكا (79.4٪) فإيطاليا (12.3٪). وشهدت التجارة انتعاشاً، إذ أخذ بعض التحسن يطرأ على أسعار المنتوجات الزراعية والصناعية وعلى حركة تصديرها إلى الخارج، وأخذت الأوضاع الاقتصادية بالتحسن تدريجياً مطلع عام 1933م، وازدادت تجارة العراق الخارجية، إثر استيراد شركة النفط الأجنبية للمعدات والآلات، فأدى ذلك إلى ارتفاع دخل الفرد العراقي عن طريق التوسع في نفقات المصالح الحكومية والمشاريع العامة حتى أصبحت إيرادات شركة النفط من أهم ما استجد في تاريخ العراق الحديث. أما التصدير فقد ازدهر إثر تزايد دخل الفرد العراقي وميزانية الدولة وازدياد الطلب على المواد الأولية والغذائية الحيوانية والكمالية، وفي السياق نفسه شهدت تجارة الترانزيت عبر العراق نشاطاً كبيراً. وعلى الرغم من ذلك بدأ تدهور الوضع الاقتصادي في العراق وتفاقمه إبان فترة الحرب العالمية الثانية بسبب السياسة التي اتبعتها بريطانيا كسبب رئيسي لتدهور الأوضاع، إذ عمدت بريطانيا إلى استغلال الأراضي الزراعية والمياه لإقامة مزارع خاصة لها، كما قامت باستغلال الفلاحين للعمل في مزارعها مما أدى إلى انخفاض مستوى الإنتاج الزراعي العراقي، كذلك تسببت بريطانيا من خلال استغلالها البشع للموارد الاقتصادية في إلحاق الكثير من الأضرار للأراضي الزراعية وللفلاحين في آن واحد، فعلى سبيل المثال، أسست الحكومة العراقية جمعية التمور عام 1939م، وهي تمثل اتحاد منتجي التمور، وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية وقعت بريطانيا مع جمعية التمور عقدا تعهدت به أن تشتري التمور من المنتجين بأسعار محدودة وزهيدة ومنع منح أي إجازة لتصدير التمور وبذلك أصبحت (شركة اندرووير) هي المحتكرة لتصدير تمور العراق، الأمر الذي جعلها تجني الأرباح الناجمة عن تضخم الطلب على التمور. ولم تكتف بريطانيا باستغلال موارد العراق لخدمة قواتها في الداخل فحسب، بل استغلتها لتمويل حلفائها في الخارج. كما استغلت القوات البريطانية معظم الأيدي العاملة الماهرة في معاملها العسكرية، كما قامت بتسخير إمكانيات مديرية الأشغال العاملة لخدمة مجهودها الحربي، فقامت بإنشاء خطوط المواصلات، مما كان له تأثير سيء في تطور الصناعة العراقية. تدهور الوضع الاقتصادي أكثر بعد دخول اليابان والولايات المتحدة الحرب في كانون الأول 1941م مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد ارتفاعاً كبيراً، وذلك لانقطاع العلاقات التجارية بين اليابان والعراق وانسحاب اسطولها التجاري من المحيط الهندي فانقطعت معظم المواصلات بين الشرق والغرب، وأصبحت القوافل التجارية معرضة للهجوم، فضلا عن اتجاه الدول إلى تقليص الإنتاج المدني لانشغالها بالإنتاج الحربي، إضافة إلى ما تقدم قامت بريطانيا باستغلال جميع مفاصل الحياة الاقتصادية في العراق، وسخرتها لخدمة مجهودها الحربي فاستغلت الطرق وسكك الحديد وميناء البصرة وكذلك المرافق الصحية والثقافية كدوائر التعليم والمستشفيات وحتى المؤسسات العسكرية في العراق. من المشاكل التي واجهها العراق مشكلة الأرصدة النقدية التي تراكمت خلال الحرب العالمية الثانية، نتيجة قيام السلطات العسكرية البريطانية بتمويل نفقاتها العسكرية عن طريق إصدار أموال مالية حكومية بريطانية باعتها إلى لجنة العملة العراقية في لندن مقابل إصدار الأخيرة دنانير عراقية، وهكذا استطاعت بريطانيا تمويل الحرب عن طريق الأقطار السائرة في ركابها كالعراق، وقد بلغت الأرصدة حتى سنة1945م، سبعين مليوناً من الجنيهات الإسترلينية مقارنة بخمسة ملايين جنيه إسترليني سنة1938م. بدأت آثار الحرب العالمية الثانية تظهر بشكل جدي وخطير بعد وصول القوات البريطانية ودخولها إلى العراق.إثر إخفاق ثورة مايس 1941م، اشتدت الأزمة الاقتصادية وتفاقمت آثارها بشكل كبير، كما أن اتساع نطاق المعارك قد ساهم في تفاقم آثار الأزمة الاقتصادية واشتداد وطأتها على الاقتصاد العراقي، لا سيما بعد أن قررت السلطات البريطانية تجهيز قواتها محلياً لصعوبة الاستيراد من الخارج.كانت لوسائل النقل لدى الحلفاء دور كبير في تلبية الحاجات العسكرية ولعدم وجود وسائل نقل يملكها العراق يمكن أن تساعد في استيراد البضائع، اضطربت الأسواق إذ شحت البضائع والسلع وارتفعت أسعارها، كما بدأت نفقات الدولة تتضخم تضخماً مضطرداً، الأمر الذي أضر بالاقتصاد العراقي كثيراً، نتج عن ذلك تدهور القوة الشرائية للدينار العراقي، حتى بلغت القوة الشرائية له في بعض السنين سدس ما كانت عليه عام 1939م.هل اتخذت الحكومة العراقية إجراءات بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما هو موقف بريطانيا وخصوصاً سياستها المتبعة في مركز تموين الشرق الأوسط؟ – هذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة المصادر والمراجع المعتمدة: 1 – حسين عمر، اقتصاديات الحروب، (القاهرة، 1956م). 2 – عبد العزيز نوار، التاريخ المعاصر لأوربا، (القاهرة، 1982م). 3 – جعفر عباس حميدي، تاريخ العراق
////////////////////////////////////////////////////////////////
الحلقة الثانية أزمة التموين في العراق خلال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م)/ الحلقة الثانية أ. د. عدنان البك مركز تموين الشرق الأوسط: ارتأت الحكومة البريطانية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية تخفيف بعض التزاماتها الاقتصادية تجاه بلدان الشرق الأوسط الواقعة ضمن هيمنتها، أثر اشتداد الغزو الإيطالي لليونان في 28 تشرين الأول 1940م، واستناداً إلى المقترحات التي قدمتها ثلاث مؤسسات بريطانية بضرورة إيجاد مركز للشحن والتموين خاص بالمدنيين بالشرق الأوسط فقد تأسس (مركز تموين الشرق الأوسط) في نيسان 1941م في القاهرة، لتخفيف المصاعب الاقتصادية التي جابهت الشرق الأوسط بإدارة ضباط بريطانيين كانوا يعملون ضمن الأسطول البريطاني الموجود في منطقة البحر المتوسط وبمساعدة عدد من ممثلي بريطانيا السياسيين الموجودين في بلدان الشرق الأوسط، وبالتعاون مع ممثلي وزارة النقل الحربي البريطانية والشركة التجارية البريطانية، وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة هذا المركز بعد عام 1941م وتمكنت عن طريق المركز من الإشراف الكامل على منطقة الشرق الأوسط، وساهمت الولايات المتحدة في تدعيم هذا المركز بعد عام من تأسيسه وبعدها أصبح المركز (منظمة بريطانية – أمريكية) وتضمنت واجبات المركز وضع الأسس العامة لأنظمة التموين الواجب تطبيقها في بلدان الشرق الأوسط، كما تضمنت استخدام التدابير لسد حاجة الاستهلاك المدني في تلك البلدان من السلع المستوردة عبر البحار وتوزيعها وتصدير الفائض إلى بلدان الحلفاء والبلدان المجاورة. شمل عمل مركز تموين الشرق الأوسط عدة أقطار في آسيا وأفريقيا مثل (مصر، السودان، ليبيا، مالطا، قبرص، الحبشة، أريتريا، الصومال البريطاني، فلسطين، الأردن، سوريا، لبنان، السعودية، العراق، تركيا، ايران، عدن)، وقد ساهم في وضع الأسس العامة لأنظمة وقوانين التموين لبلدان الشرق الأوسط في مجال الاستهلاك وتثبيت الأسعار ومكافحة التضخم وتنظيم تبادل المنتوجات الزراعية المحلية بين بلدان الشرق الأوسط، بموجب قانون الإعارة والتأجير الأمريكي، ويلحظ أن أمريكا اتجهت سياستها وفق هذا القانون خلال سنوات الحرب العالمية الثانية نحو دعم بريطانيا إدراكاً منها بأن أي انهيار لبريطانيا يمثل خطراً على أمنها، فكان التعبير العملي لإبعاد هذا الخطر هو قانون الإعارة والتأجير الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي في 11 آذار 1941م، ووفق هذا القانون كانت بريطانيا أول المستفيدين منه. ساهم المركز في توزيع المواد المستوردة بموجب هذا القانون الأمريكي (قانون الإعارة والتأجير) مثل، السكر والشاي والأقمشة والأدوية الطبية، كذلك قدم خبراء المركز خبراتهم وإرشاداتهم للمصانع في بلدان الشرق الأوسط، وإنشاء المركز لجنة مهمتها إسداء النصح والإرشادات الطبية والحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية عن طريق مجلس تموين الشرق الأوسط، وساهم المركز في تقديم المساعدات والإرشادات في مكافحة الآفات الزراعية وتطوير سبل الزراعة في منطقة الشرق الأوسط، وتمكن من توفير كميات كبيرة من الطحين المخلوط بما يزيد عن (500) ألف طن سنوياً، وحصل العراق بموجب قانون الإعارة والتأجير على تجهيزات متنوعة بلغت قيمتها حتى الحادي والثلاثين من آب (1945م) نحو (1,320,000) ديناراً من السلع والبضائع الضرورية التي تعذر العراق استيرادها من مكائن وآلات وفولاذ وإطارات سيارات … إلخ. كان من نتائج نشاطات المركز هيمنته على الفروع الرئيسية للتجارة الخارجية والتموين وشؤون الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، إذ انخفضت استيرادات المنطقة من البضائع الاستهلاكية بمعدل ثلاثة أضعاف مرات ونصف عما كانت عليه قبل الحرب، إضافة إلى سيطرته على المنتجات المحلية في تلك البلدان والتي كان يوزعها حسب رغبته ومصالحه العليا، وتحت ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترى أن إطلاق الحرية التجارية أضمن لازدهارها وتغلغلها في المنطقة. وبسبب الخلافات المستمرة ما بين مركز المصدرين الأمريكان والحكومة البريطانية، قام المركز بتصفية أعماله في تشرين الأول 1945م، وما ساهم في تصفيته هو عجزه عن اتخاذ التدابير اللازمة للحد من ارتفاع أسعار المواد التموينية لاسيما الغذائية منها التي ارتفعت خلال سنوات الحرب، وفيما يخص العراق فقد أولى المركز اهتماما خاصا بصادرات العراق من المنتوجات الزراعية، وفي الوقت نفسه سيطر على مستورداته من المواد التموينية، كما أعار قسماً من خبرائه الفنيين لتنظيم شؤون التموين في العراق. كما شمل (قانون الإعارة والتأجير) بدعم العراق بالمنتوجات الزراعية والصناعية الامريكية في 2 أيار 1942م، إذ عدت الولايات المتحدة الامريكية الدفاع عن العراق أمراً حيوياً للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية لذا قدمت مبالغ مالية للعراق تصل قيمتها إلى (89,8,656) دولارا من تجهيزات هذا القانون، لكن العراق لم يستفد من تلك المساعدات، إذ استحوذت القوات البريطانية على معظمها، كما عانى العراق من سلبيات مركز تموين الشرق الأوسط من حيث تنظيم وتوزيع مواد التموين الضرورية في العراق، فقد استحوذ المركز على نسبة (50٪) من المواد الغذائية في العراق، بهدف تأمين احتياجات قوات الحملة البريطانية على العراق وإيران، وبتأثير المركز نفسه اضطر العراق إلى زيادة صادراته السنوية من تلك المواد لغرض تموين وتجهيز قوات (الحلفاء) في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد ذكر (عبد الجبار الجلبي) وزير التموين للفترة من (23/ شباط/ 1946 – 21/ أيار/ 1946) عن السلبيات فقال: “إن معظم العاملين في مركز التموين لا يعتمدون الدقة والتخطيط في إدارة شؤون المركز، وعند تطبيق برامج المركز يلاحظ أن هناك تفاوتاً وغبناً في التوزيع بين ما يخصص للعراق وبين ما يرسل إليه فعلاً، فمن كان يملك نفوذاً أقوى يحصل على حصته من تموينات المركز”? وأضاف: “كان لتدخل المركز في استيرادات العراق من المواد التموينية الأثر السلبي في تقنين حصته من السكر والشاي والقهوة والمنسوجات القطنية، وبالنظر لضعف ما كان يخصصه المركز للعراق من المواد التموينية فضلاً عن توزيعه العشوائي القائم على الارتجال والرغبة دون اعتبار لعدد سكانه أو اهتمام بحاجته الحقيقية، فقد كان العراق يضطر في أحيان كثيرة إلى تجاوز تلك التخصيصات من تأمين حاجاته التموينية”. بسبب تطورات الحرب وتوسع امتدادها في جبهة البلقان ازدادت أزمة الغلاء وشحة المواد التموينية، وتأزم الوضع بشكل أكبر بين الحكومة البريطانية وحكومة الدفاع الوطني وفرضت بريطانيا حصاراً اقتصادياً ومالياً على العراق، فما هي الإجراءات التي اتخذتها حكومة الدفاع الوطني لمواجهة الحصار وتوفير المواد التموينية للشعب العراقي؟ هذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة المصادر المعتمدة: الأستاذ الدكتور خليل علي مراد، تطور السياسة الأمريكية في المنطقة. هاكوب توريانتر، نفط ودماء، تعريب: عبد الغني الخطيب، (بيروت، 1962م).
////////////////////////////////////////////////////////////////
الحلقة الثالثة أزمة التموين في العراق خلال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م)/ الحلقة الثالثة أ. د. عدنان البك أوضاع العراق الاقتصادية في فترة حكومة الدفاع الوطني ومواجهة الحصار الاقتصادي (10 نيسان1941 – 29 أيار1941م): ازدادت أزمة الغلاء وشحة المواد التموينية مع تزايد نشاط المضاربين والمحتكرين بسبب تطورات الحرب وتوسع امتدادها في جبهة البلقان، وزاد من تأزم الوضع الاقتصادي في العراق تأزم العلاقات بين الحكومة البريطانية وحكومة الدفاع الوطني ولجوء الحكومة البريطانية إلى فرض حصار اقتصادي ومالي على حكومة الدفاع الوطني حيث فرضت حصاراً شديداً على استيرادات العراق من المواد التموينية الضرورية، وفرضت قيود المنع على تصدير منتجاته الزراعية من التمور والحبوب والقطن والجلود، فمنعت تصدير آلاف الأطنان من التمور المكدسة في ميناء البصرة بحجة انها مشحونة لصالح دول المحور، كما امتنعت عن تزويد العراق بالعملة الصعبة التي كانت تمكنه من استيراد حاجاته الضرورية من الأسواق العالمية، وقامت بإخراج الدينار العراقي من حضيرة الأرصدة الإسترلينية فأصبحت العملة الورقية عملة ورقية بدون رصيد، وتفاقم الوضع المالي بتوقف المصارف وبيوت المال عن دفع الأمانات والودائع التي كانت مودعة أو مؤمنة لديها، ومما زاد في جهود حركة الأسواق وفتور التبادل التجاري الذي أدى بدوره إلى ركود المعاملات الكمركية وتكدس السلع والأموال في المخازن الكمركية ومستودعاتها، كما منعت بريطانيا وصول بضائع يابانية من الأقمشة والمنسوجات القطنية مما أدى إلى تفاقم الأزمة. واجهت حكومة الدفاع الوطني الحصار الاقتصادي بسن عدد من القرارات والتشريعات الحازمة، منها إصدار قرار في (4/ 5/ 1941م) بخصوص استحداث لجنة تموين مركزية مكونة من سبعة أعضاء برئاسة وزير الاقتصاد، وقامت هذه اللجنة باتخاذ عدد من التدابير اللازمة بخزن وتوزيع المواد التموينية الضرورية (كالسكر، الشاي، الحبوب) وحصر استهلاكها وتحديد بيعها بالأسعار المقررة، كما قررت تحديد استهلاك بنزين السيارات والنفط الأسود والزيت، ولمواجهة استفحال الغلاء، ولمواجهة الحصار المالي قررت حكومة الدفاع الوطني السيطرة على المصارف البريطانية في بغداد مثل المصرف الشرقي، والمصرف الشاهي، والمصرف العثماني، ومصادرة ما لديها من نقود. وعلى الرغم من قصر المدة لبقاء حكومة الدفاع الوطني، لكنها استطاعت أن تحقق نوعا من التوازن وتوفير المواد المتيسرة من المواد التموينية الضرورية رغم الحصار الاقتصادي المفروض عليها. شهدت أواخر العام (1941م) ارتفاع الكثير من أسعار المواد الغذائية والحاجات الضرورية وساهمت عوامل عدة في تفاقم مشكلة التموين في العراق، منها تعرض العراق إلى الكوارث والأزمات المدمرة، فقد اجتاحت العراق الفيضانات العارمة والموجات القاسية من البرد والجفاف، وتفشت الآفات الزراعية من الجراد والحشرات التي أدت إلى هبوط مخزونه من المواد الغذائية وشحتها في الأسواق، ولا سيما الحبوب، ففي عام 1939 و1940م تعرض العراق إلى الكوارث والآفات الطبيعية والزراعية التي أتلفت محاصيل نحو (700) قرية في شمال العراق، كما أدت موجات البرد والفيضانات إلى تلف مخازن أعلاف الأغنام والمواشي التي أدت بدورها إلى خسارة أعداد كبيرة من المواشي والأغنام، فهبط الناتج السنوي من الحنطة إلى نصف ما كان عليه قبل نشوب الحرب، وسعت الحرب لتعويض ذلك باستيراد الحنطة من الهند سدا لحاجة المستهلكين. ومن المفيد بالإشارة إلى أن التهريب زاد من مشاكل التموين، حيث شهدت سنوات الحرب نشاطاً ملحوظاً في تهريب المواد الغذائية والضرورية من العراق إلى الدول المجاورة وأصبح التهريب خلال الحرب العالمية الثانية ممارسة شبه علنية يمارسها كبار التجار وكبار موظفي الدولة وأعوانهم من صغار الموظفين الذين أخذوا يمارسون التهريب دون خوف أو وجل، وبلغت الجرأة بهم إلى استخدام بعضهم وسائط النقل والمواصلات الحكومية في تهريب المواد التجارية والتموينية، وكانت أغلب المواد تهرب إلى ايران وسوريا، وقد ساعدت عدة عوامل في استمرار عمليات التهريب وانتعاشها خلال سنوات الحرب منها أن أسعار المواد الموجودة في العراق كانت أرخص من مثيلاتها في باقي الدول المجاورة، والعامل الثاني تمثل في ضعف السيطرة المركزية نتيجة تورط معظم كبار المسؤولين المتنفذين في إدارة الحكومة في عملية التهريب، وإهمال الحكومة مراقبة الحدود وتعزيزها بعناصر كفؤة، لذلك تشجع المهربون وازداد نشاطهم لاسيما في الفترة الأخيرة من عام (1945م)، وكانوا سبباً في استمرار مشاكل التموين – كما سنرى في الحلقة القادمة – |
عدد المشـاهدات 33 تاريخ الإضافـة 18/03/2023 رقم المحتوى 74453 |