من نعمة النفط إلى أزمة العجز
مجيد الكفائي
العجز المالي في العراق واعترافات السيد السوداني يفتحان بابًا واسعًا للأسئلة المؤلمة.
فالعراق، الذي يملك ثروات هائلة وتستقر مدنه على بحار من النفط والمعادن، يجد نفسه اليوم مقترضًا، مثقلًا بعجز مالي كبير، وعاجزًا عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيه.
الكهرباء شبه معدومة، الطرق مستهلكة، المدارس متهالكة، المستشفيات تعاني نقصًا وتجهيزًا، والمواصلات والسكك الحديد في حالة يرثى لها.
كيف يمكن لبلدٍ بهذه الإمكانات أن يصل إلى هذا الواقع؟
وأين تذهب عائدات النفط التي تُقدَّر بنحو ستة مليارات دولار شهريًا، فضلًا عن إيرادات المنافذ الحدودية والتصدير والضرائب؟
إن الاعتراف بوجود عجز مالي لا يمكن عزله عن سنوات طويلة من سوء الإدارة، وغياب التخطيط، واستشراء الفساد. فالمشكلة في العراق لم تكن يومًا نقص الموارد، بل في طريقة إدارتها. اقتصاد ريعي يعتمد على النفط وحده، دون تنويع حقيقي لمصادر الدخل أو استثمار مستدام للثروات، جعل الدولة رهينة لتقلبات الأسعار، ومكبلة بالإنفاق التشغيلي المتضخم.مليارات الدولارات تتبدد بين رواتب غير منتجة، ودرجات خاصة، وعقود مشبوهة، ومشاريع متلكئة لا ترى النور. منافذ حدودية لا تدخل وارداتها كاملة إلى الخزينة، وضرائب لا تُجبى كما ينبغي، واقتصاد ظل يبتلع الأموال بعيدًا عن الرقابة والمحاسبة.أما الخدمات، فهي أول الضحايا. ملف الكهرباء استنزف موازنات هائلة دون حل جذري. الطرق لا تعاني لقلة المال بل لغياب الصيانة والرؤية.
المدارس والمستشفيات تئن تحت الإهمال، لأن أولويات الإنفاق مختلة، ولأن الإنسان لم يكن في صدارة القرار.الأخطر أن العجز المالي يُستخدم أحيانًا مبررًا للاقتراض بدل أن يكون جرس إنذار لإصلاح حقيقي، فتتحول نعمة النفط إلى عبء، وتُرحَّل الأزمات إلى الأجيال القادمة على شكل ديون والتزامات.
السؤال الحقيقي لم يعد: أين ثروة العراق؟
بل: من يديرها؟ ومن يحميها؟ ومن يملك الجرأة على محاسبة الفاسدين بلا استثناء؟
العراق لا يحتاج إلى موارد جديدة، بل إلى دولة حقيقية: دولة تخطط، وتراقب، وتحاسب، وتضع مصلحة المواطن فوق مصالح الأحزاب والكتل.
عندها فقط يمكن أن تتحول مليارات النفط من أرقام في الموازنات إلى كهرباء مستقرة، وطرق آمنة، ومدارس تليق بأبناء هذا الوطن، ومستشفيات تحفظ كرامة الإنسان العراقي.