الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حل الحشد الشعبي بالسلام لا بالانتقام

بواسطة azzaman

حل الحشد الشعبي بالسلام لا بالانتقام

ماهر نصرت 

 

أرى أن هذه المقالة ستُرضي البعض وتبغض البعض الآخر لأن العداء واختلاف الرأي صفة موجودة في النفس البشرية في كل زمان ومكان ، ولا يمكن ان يحل الامن والسلام  في بلادنا  الا بفتح صفحة جديدة ونسيان الماضي لكي تعيش أجيال الوطن الواحد بحبٍ وتآلف وسط طقوس من المودة والسلام .

أن اكثر الشعوب الاوربية وبضمنها الحرب الاهلية الامريكية مرت بهذه الاحداث المدمرة وتأكد لها في النهاية ان التقدم والرفاه لايمكن ان يحل الا  بفتح صفحة جديدة للحياة كما ترون اليوم ماحل من تقدم في المانيا مثلاً التي دمرتها الحروب ، ولا بد لنا ان نرضخ لمطلب الآية الكريمة التي جاء فيها .....  بسم الله ( ادفع بالتي هي احسن وكأن الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وبخلاف ذلك  ستبقى الدماء تسيل من شرايين اجيالنا وتزداد الآثام سنة بعد اخرى دون الوصول الى نتيجة نستطيع من خلالها أن  نبني بها البلاد والعباد وسنبقى مشردين أو مشردون وضعفاء ينهبون ثرواتنا ويستقطعون من جسد هذا البلد مياهنا واراضينا  ، فالكل خاسر في معادلة الحقد والسعي وراء الانتقام من الاخر ولا ينتفع من ذلك سوى الاعداء الذين يحسدون بلادنا ويحاولون نهب خيراتنا وسرقة مياهنا وثرواتنا كما ترون وتسمعون عن خسائرنا اليومية التي تقدر بملايين الدولارات .

لقد تشكل الحشد الشعبي في وقت تأريخي حرج عندما تعرض العراق لتهديد وجودي تمثل بسيطرة تنظيم داعش على مدن واسعة بعد انسحاب مفاجئ للجيش من مناطق معروفة وتركها فارغة امام هذا التمدد العنيف الذي ينسبه الكثير الى ( الخيانة )  في تلك اللحظة لم يكن العراق امام خيار آخر غير الدفاع عن الارض والناس فنشأ الحشد الشعبي لإستجابة شعبية عراقية خالصة سدت فراغاً امنياً خطيراً بغياب الجيش ومنعت انهيار ما تبقى من الدولة وحالت دون وصول الفوضى الى بغداد وما جاورها ولو تحقق ذلك لدخلت البلاد في حمام دم شبيه بما شهدته بغداد عند اجتياح جحافل  المغول المتوحشة .

لقد تعرض الحشد الشعبي منذ نشأته الى حملات واسعة تتهمه بالخيانة او بالطائفية متجاهلين حقيقة انه تشكل من مواطنين عراقيين لبوا نداء الدفاع عن الوطن وليسوا جيشاً مرتزقاً جاء من الصين أو من افريقيا مثلاً  نعم قد وقعت تجاوزات فردية من بعض المنتمين الى الحشد في مناطق القتال وهذه لا يمكن انكارها او تبريرها لكنها تبقى اعتداءآت شخصية لا تمثل سياسة الحشد ولا عقيدته العامة بل تعكس احقاداً فردية بسبب آلام الماضي  واحداثه في ظروف حرب قاسية لا تضبطها القوانين بسهولة وفي المقابل هناك مئات الشهادات الموثقة عن افراد من الحشد انقذوا عائلات بأكملها  من الموت المحقق واخرجوا المدنيين العُزل من مناطق الخطر بعمليات اخلاء معقدة محفوفة بالمخاطر وهو جانب انساني للأسف يتجاهله الكثيرون  .

ان افراد الحشد الشعبي هم في النهاية مواطنون عراقيون لهم عوائل واطفال ومرضى وكبار سن ويعتمدون بشكل أساسي على الرواتب التي تمنحها الدولة لهم باعتبارهم قوة رسمية اقرت بقانون وبدون هذه الرواتب ستتعرض الاف الاسر المحتاجة الى حرمان مدمر وهذا عمل غير اخلاقي عند قطع ارزاق الناس وقد يضطر البعض الى سلوك طرق غير مشروعة لتوفير لقمة العيش لا بدافع الاجرام بل بدافع الحاجة القاسية ومن غير العدل او الحكمة ان يدفع المجتمع ثمن قرار سياسي متسرع بقطع الارزاق عن طبقة قدمت تضحيات جسيمة في الزمن الماضي وهناك صور الكثير من الشهداء معلقة على طريق القناة وفي الاحياء السكنية  ، حتى السجناء في القوانين العراقية لهم انصاف رواتب لأسرهم فكيف بمن قاتل دفاعاً عن الدولة ، ومن الممكن حل الحشد الشعبي او دمجه بالقوات الامنية لكي تبقى رواتبهم جارية ولا نزيد من منسوب البطالة التي يعاني منها الشعب.

اما من اخطأ وقتل نفساً بغير حق أو سرق واعتدى على حرمات الاخرين فالقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة بالمحاسبة ولا يجوز تعميم الذنب او الدعوة الى الانتقام الجماعي فالعدالة والسلم الاجتماعي لا تبنى على الثأر بل على القانون واحترام حقوق الانسان  .

ان الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى لا تنظر في الكثير من المواقف الى المأسات الاجتماعية كالمجاعة او الحرمان بقدر ما تركز على اهدافها السياسية وهي تطالب بحل الحشد الشعبي باسم السلام ونحن ايضاً مع السلام لكن السلام الحقيقي لا يتحقق بتجويع الناس بل بضمان حياة كريمة لهم من خلال رواتب تقاعدية تحفظ لهم كرامتهم وتمنح المجتمع استقراراً مستديم .

اما الفصائل المسلحة المرتبطة بالأحزاب السياسية فتلك قضية مختلفة تماماً تتطلب حلاً جذرياً يقوم على اساس الاندماج الكامل تحت لواء الجيش العراقي ليكون السلاح بيد الدولة وحدها وتكون القيادة واحدة والقرار واحد فالدول لا تبنى بتعدد الاقطاب ولا بازدواجية السلاح بل بمؤسسات قوية واضحة الصلاحيات تحت قيادة واحدة ..

ان بلادنا اليوم بحاجة الى مصالحة وطنية شاملة تنطلق من مبدأ الحل بسلام لا بالانتقام وان يعم الاحترام والتآلف والمودة الجميع لكي نفتح الطريق امام دولة قانون قوية قادرة على حماية الجميع دون استثناء فكل انسان خطاّء والمسامح كريم ومن سرق او اخطأ فليعترف ويعمل على محو ذنوبه أمام الله وامام المجتمع فالحياة فانية ، ألا ترون ... ( اين ابائنا واجدادنا ) ؟ أن الانتقال الى العالم الآخر مسألة وقت لا اكثر ولا اقل فهناك ستسود وجوه وتبيض وجوه ، فليحق الخطائون انفسهم قبل فوات الأوان .


مشاهدات 23
الكاتب ماهر نصرت 
أضيف 2025/12/27 - 1:40 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 3:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 119 الشهر 20601 الكلي 13004506
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير