مشاهدات من أرض الكِنانة
مكتبة الإسكندرية صرح ثقافي وحضاري تتميزّ تصاميمه بالحداثة
رعد أبو كلل الطائي
مكتبةُ الإسكندرية صُرحٌ معماريٌ وثقافيٌ وحضاريٌ فريدِ من نوعِهِ، يقع في قلب مدينة الإسكندرية يتميّزّ تصميمُها من الخارج بالحداثة، المستوحى من قُرص الشمس المائل، مما يُضفيّ عليها مظهراً معمارياً مُميزاً، كما يتميز المبنى بتصميمه الدائري المُنحدر، مع واجهةٍ زُجاجيةٍ ضخمةٍ منحوتةٍ بأحرفٍ من مختلف اللغات والحروف، مما يعكُس التنوع الثقافي والحضاري للمكتبة، ومن الداخل تضمُ المكتبة قاعات قراءة واسعة ومفتوحة تتسع ل2500 مقعد، وتحتوي على سبع شُرفاتٍ وتحتوي على ثمانية ملايين كتاب، وتقع المكتبة على كورنيش الإسكندرية، مما يجعلُها معلماً بارزاً على شاطئ البحر المتوسط .أمضيتُ نحو ظالتي للبحث عن هذا الصُرح الثقافي الكبير، مكتبة الإسكندرية، حتى خرجتُ عصر أحد الأيام، نحو المعمورة، الموقف الرئيسي لوسائل النقل المختلفة، وصعدتُ كالعادة الأوتوبيس الأحمر المكشوف السياحي (أبو الدورين يعني باللهجة الأسكندرانية)، وعندنا نقول بالعراقي (أمانة أُم الطابقين)، رفيق دربي في (مشاويري)، وكان الطريق سالكاً وهادئاً، ولم يكن هناك ازدحامات مرورية تُذكر، حتى وصلنا إلى بناية المكتبة التي تقع في الحي الملكي بمدينة الإسكندرية القديمة، وأمام رأس (لوجيناس) تقريباً، أو ما يسمى بالسلسلة المقابلة لشاطئ البحر المتوسط، وعلى هضبة حي (راكوتيس) والمعروف اليوم بحي كرموز، وبعد أن ترجلتُ من الأوتوبيس ظهر أمامي وبالضبط أمامَ المكتبة نُصبّ الأشرعة المُنطلقة، والذي انشاؤه بحي الأزبكية في ميدان السلسلة النحات المصري فتحي محمود عام 1962ميلادية، كما رأيتُ جدارية ً كبيرةً في الباحة الخارجية للمكتبة، تم بناؤها من الكرانيت الرمادي اللون، ويبدو إنه منتقى من أفضل المحاجر في صعيد مصر، وتضمُ الجدارية العديد من النقوش والرموز، والحروف الأبجدية من جميع أبجديات العالم على مرّ العصور التأريخية، ومن 120 لُغة عالمية، تعبر عن رسالة المكتبة، بأعتبار اللُغة هي أساس الثقافة ولُغة التحاور بين الثقافات كما تم نقش 6000 لوح على الجدارية، وتم كتابتُها الكترونياً .وتضمُ المكتبة كما قالَ لي أحد مسؤوليها، ست مكتبات متخصصة هي :
مكتبة الفنون والوسائط المتعددة، ومكتبة طه حسين، ومكتبة لضِعاف البصر، ومكتبة للطفل، وأُخرى للنشئ، وتحتوي المكتبة كذلك على معرضين دائميين، وستُ قاعاتٍ لمعارضَ فنيةٍ متنوعةٍ، علاوةً إلى احتوائها سبعةَ مراكز بحثية متخصصة، وتضمُ أيضاً قُبةً سماويةً تعرِضُ عروضاً فلكيةً، كما توجد في المكتبة قاعة أستكشافٍ تُقدِمُ تجاربَ فلكية لزوارِها، ومركزاً للمؤتمرات يستضيفُ فعالياتٍ ثقافيةٍ وعالميةٍ مُختلفةٍ .
التوسِعة والهدم
وخضعت المكتبة والتي كانت جُزءاً من الموسيون، لعمليات هدمٍ ثُم إعمارٍ وتوسعةٍ في مرحلةٍ لاحقةٍ وأكتسبت أهميةً وحجماً كبيرين، وبالتالي أصبحَ من الضروري إنشاء مُلحقٍ على مقرُبةٍ مِنها، ويُعتقد إن المُلحق أو المكتبة الوليدة أُنشأت بِأمر بطليموس الثالث، وهذا ما أشار إليه مهندسٌ معماريٌ كان له الشرف في المشاركة في عمل أحد مرافق المكتبة، مُضيفاً إن بطليموس أنشأَ هذا المُلحق على هضبةَ حي (راكوتيس)، والمعروف اليوم بحي كرموز بعيداً عن شاطئ البحر، في معبدٍ قديمٍ شيدَهُ البطالمة الأوائل للإله (سيرابس)، وأشارَ إلى إن المكتبة أستطاعتّ كسابِقتِها أن تحصلَ على شُهرةٍ وأهميةٍ في شتى أنحاء العالم، وقد حافظَ الأباطِرة الرومان فيما بعد على المكتبة وصوروا تجهيزاتها وأستخدموا نظام التدفئة المركزية فيها، من خلالِ مدّ أنابيبَ عِبرَ الحوائِطَ للحِفاظّ على جفاف الجو داخِل المستودعات الأرضية .
حفل أفتتاح المكتبة
وبين لي مصدر في العلاقات العامة والإعلام في المكتبة، إنه تم إعادة بناء مكتبة الإسكندرية القديمة وتدشينُها في عام 2002 ميلادي، بدعمٍ من منظمة الأمم المُتحدة للتربية والتعليم والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وتتكون المكتبة الآن من عشرة طوابق، وتقع المستويات السُفلية كافة تحت سطح الماء وجسمه المبنيُ يغوصُ أسفلٓ الأرض لحماية محتوياته النفيسة من عوامل البيئة الخارجية، وتُعد قاعات القراءة المفتوحة، هي السِمات البارزة في المكتبة، وظل الحُلم في إعادة بناء مكتبة الإسكندرية القديمة، وأحياء هذا المركز العالمي للعلم والمعروفة، قد راود خيال المفكرين والعلماء في العالم أجمع، وحضرَ حفل تدشين المكتبة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وعددٌ من رؤساء وملوك ووفود دولية رفيعة المستوى من شتى أنحاء العالم، ليكونَ هذا الصُرح الكبير منارةً للثقافة والعلم ونافذةَ مصر على العالم، ونافذةَ العالم على مصر .
متحف الآثار
وولِدتّ فِكرةَ أستضافة متحف للآثار داخل مكتبة الإسكندرية، كما أكد لنا الأستاذ الدكتور ظاهر محمد الصكر الحسناوي أستاذ التأريخ الحديث، حين تم أكتشاف عددٍ من القطع الآثارية التي تعود إلى العصر الهلينستي والروماني والبيزنطي، وذلك ضمن أعمال الحفر التي تمتّ قبل إقامة المكتبة في موقعها، والمتحف كما يسترسل المسؤول الآثاري هو أحد المتاحف القليلة في العالم التي تعرُض قطعاً فنيةٍ تم أكتشافها في نفس مكان عرضِها، وبين عامي 1993 و 1995 رُفعت من قاعة البحر المتوسط وبالقرب من الميناء الشرقي، وفي منطقة ميناء أبي قير القطع المعروضة بالقسم، كما يُمكن لزائري الموقع القيام بجولة تخيُلية داخل قاعات المتحف، وقد أُختيرت مُقتنياتهِ بدقةٍ وعنايةٍ لتعكُسَ تأريخ مصر الثريّ والمُتعدد الثقافات، والتركيز على الإسكندرية والمرحلة الهيلينستية .
وشاهدتُ خلال دخولي بناية متحف الآثار الملحقة بمكتبة الإسكندرية، مدونةً مُسجلةً فيها محتويات المتحف الآثاري والتي تقول :
إن المتحفَ يضمُ مجموعةً كبيرةً من القطع واللُقى الآثارية، وبواقع 1800 قطعة آثارية، والتي تُمثل مختلف عصور التأريخ المصري من العصر الفرعوني إلى القطبي والإسلامي، فضلاً إلى مجموعة من الآثار اليونانية والرومانية، وتعرُض هذه القطع تأريخ مصر وحضارتها وفنونها وصناعتها عبر العصور بما في ذلك، الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية والقطبية وال