الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صكوك الغفران ستبقى تحكم قبضتها

بواسطة azzaman

صكوك الغفران ستبقى تحكم قبضتها

 

احسان باشي العتابي

 

تاريخ البشرية مليء بحكايات الاستغلال باسم الدين، حين يتحول المقدس من رسالة تهذيب وبناء إلى اداة للهيمنة والسيطرة على العقول، سعيا وراء المنافع والمكاسب ،وفي مقدمتها الاموال التي تجبى تحت عناوين شتى. في اوربا القرون الوسطى، سادت ظاهرة «صكوك الغفران”، وهي وثائق كان الكهنة يبيعونها للناس بزعم انها تمحو ذنوبهم وتفتح لهم ابواب الجنة، مقابل مبالغ مالية. كانت تجارة رائجة باسم الخلاص، لكنها في حقيقتها لم تكن سوى خداع منظم استغل فيه جهل العامة وطاعتهم العمياء للكنيسة ورجالها.في خضم ذلك،وقف الراهب الالماني الجريء مارتن لوثر متحديا المؤسسة الدينية، معلنا ثورته الاصلاحية ضد هذا الانحراف الديني والاخلاقي.فاتهم بالهرطقة، وشنوا عليه حربا شعواء حتى نفي، لكنه رغم ذلك احدث هزة فكرية غيرت وجه اوروبا، فحرر الدين من قبضة المتاجرين باسم الرب. وكانت تلك الشرارة بداية نهضة فكرية ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم.واليوم، بعد قرون على تلك الحكاية، يبدو اننا نعيش في العراق نسخة مكررة من “صكوك الغفران”، ولكن بثوب جديد. فبعض رجال الدين الشيعة – للاسف – باتوا يستنسخون الاسلوب ذاته، حين يربطون مصير الجنة والنار بالتصويت لمرشح بعينه او الانتماء لتيار محدد. نسمع منابر تقسم بالله ان من «ينتخب فلانا سيدخل الجنة»،وكأن مفاتيح السماء قد اودعت بأيديهم، وكأن الله فوضهم ببيع مقاعد الجنان وتقسيمها حسب الولاءات السياسية.هذه ليست دعوة دينية، بل خرافة سياسية مغلفة بثوب الايمان، تستعمل لتكريس النفوذ وتحقيق المكاسب المادية تحديدا كما اشرنا سلفا، لا تختلف في جوهرها عن تلك الصكوك التي باعها كهنة اوربا قبل قرون. الفارق الوحيد ان ادوات الخداع تطورت، لكنها ما زالت تقوم على القاعدة ذاتها: استغلال ايمان الناس البسطاء وجهلهم لغايات دنيوية.

صكوك الغفران

ومثلما حورب مارتن لوثر حين كشف زيف الكهنة، يحارب اليوم كل صوت عراقي حر يتصدى لهذه الخزعبلات. يشوه، يتهم، يضيق عليه، وربما يجبر على ترك وطنه، لان قول الحقيقة صار جريمة.ان اولئك المتاجرين بالدين يعلمون علم اليقين ان التاريخ لا يرحم، ومع ذلك لم يتعظوا منه. فصكوك الغفران سقطت، وسقطت معها هيبة الكنيسة انذاك، لان الناس ادركت ان الايمان لا يباع ولا يشترى، وان الجنة ليست حكرا على احد. وكذلك سيأتي يوم يسقط فيه كل من يحاول المتاجرة بعقيدة الناس في العراق، مهما تلثم بلباس القداسة.بعد كل تجارب حقب التاريخ في هذا المضمار الشائك والوعر ، ارى ان الاصلاح الديني لا يحتاج الى مارتن لوثر جديد، بقدر ما يحتاج الى وعي جمعي يرفض الوصاية باسم الله، ويعيد للدين نقاءه بعيدا عن دكاكين السياسة والمنافع.

والوعي الجمعي المنشود لا يقتصر على فئة بعينها، بل يشمل الجميع، وفي مقدمتهم رجال الدين الورعون الذين لم يجعلوا من الدين وسيلة للعيش او دكانا للارتزاق، بل اتخذوه رسالة سامية، يوجهون من خلالها المجتمع بخطاب منطقي رصين، يثبت ان الحاكم الحقيقي في البشر هو العقل والضمير الحي، لا غير.

وان الغاية من ذلك هي بلوغ الراحة في الدنيا، ونيل السعادة في العالم الاخر.

 

 


مشاهدات 48
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/11/17 - 2:24 AM
آخر تحديث 2025/11/17 - 5:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 179 الشهر 11940 الكلي 12573443
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير