أذن وعين
دعونا نحلم لمرة واحدة
عبد اللطيف السعدون
هل نستطيع، نحن العراقيون، أن نمارس الحقّ في الحلم، ومع أن هذا الحقّ لم يظهر في اللائحة العالمية لحقوق الإنسان التي أقرّتها الأمم المتحدة، إلا أنه يظلّ الحق الإنساني الوحيد الذي لا يمكن لأية قوة غاشمة أن تسلبه منا.
دعونا، إذن، نحلم بعراق ديمقراطي متصالح ومزدهر، هل حلم كهذا ممكنٌ حقا، أم علينا أن نكفّ عن الحلم، لأننا لم نر، على مدى عشرين عاما، ما يشير إلى أن ضوءا قد ينبثق في آخر النفق في أية لحظة، وأن أحدا قد يظهر فجأة كي يعلق الجرس؟
هل يمكن أن تكون حكومة ما بعد الانتخابات هي الحكومة التي نبدأ معها مرحلة مختلفة، ومغايرة عما نحن فيه، هل يمكن لرئيس الحكومة المقبل، كائنا من كان، أن يشعل شمعة في آخر النفق، ويجعلنا نشعر أن بلدنا ذاهب إلى ما هو أفضل؟
صحيحٌ أننا مررنا بأوقات صعبة، وعشنا على امتداد أزيد من عشرين عاما شتى أنواع المعاناة لكن هل يمكن ان نضع كل ذلك وراء ظهورنا، ونتقدم إلى أمام؟
دعونا أن نتشبث بالحلم، وان نجد الدافع لإطلاق الأحلام ورعايتها، والعمل الجاد لكي تصبح أحلامنا حقيقة أو، على الأقل، كي توفّر لنا القناعة أن كل شيء ممكن، وأن لا مستحيل أمامنا، والحلم وحده هو الذي يجعلنا نواصل البحث عن معنى لحياتنا، وأن نحلُم بعراق مختلف عن السائد، عراق بدون قمع، وبدون بؤس، وبدون نهب، بحكومة تعمل من أجلنا، وتحقق لنا طموحاتنا في حياة أفضل.
مهم هنا أن نعترف بأن سعينا إلى التغيير طيلة السنوات العشرين العجاف سار في طريق متعرّج، تحيط به الشكوك والأوهام، ومواجهة هذه الحقيقة ضرورة للبدء بعملٍ يرتكز على حلم، وأن يتحوّل هذا الحلم إلى التزام، إلى مشروع نكرّس له جهودنا ونضالاتنا، أن نضع تصميما لعراقٍ جديدٍ يتجاوز مصالحنا الأنانية ومساوماتنا العقيمة التي تمنع حل مشكلاتنا الأساسية، وتخدّر قدرتنا على التقدّم. وقبولنا حلم «عراقٍ مختلف» يعني مشاركتنا في إنشائه، وإيماننا بحقنا في التصرّف مواطنين أحرارا في بلدٍ نريده أن يكون حرّا، بشرا فاعلين ومنشئين للتغييرات التي نراها ضروريةً في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، وأن ندافع بحزم عن حقّنا في التغيير، عن حقّنا في بلدٍ يضمن حقوق الجميع، ويحتفي بالتنوع كثروة، أن تقوم فيه السلطة والسياسة على قيم الحرية والحقوق والواجبات والعدالة، وأن نروّض أنفسنا على البقاء صامدين، كي لا نكفّ عن الحلم المقترن بالأمل. و»نحن، على حد ما قاله مرّة الروائي الفرنسي، أناتول فرانس، «لا نستطيع أن نعطي بقدر ما يعطينا الحلم القدرة على العطاء».
أمراء طوائف
هل لنا أن نحلم بدولةٍ توقف نهب المال العام، وتقتصّ من السرّاق والفاسدين، دولة لا تكون ضحية للعبة يديرها لصوصٌ وأفّاقون وأمراء طوائف وزعماء مافيات؟
وهكذا لنجعل الحلم عنصرا جوهريا وضروريا في حياتنا، ولنحلُم بدولةٍ توفر لأبنائنا تعليما عصريا، وتربّي عندهم قيم المحبة والخير والعطاء، دولةٍ توفّر الدواء للمرضى، والعناية الطبية الكافية لهم، دولةٍ توفر العيش الرغيد للجميع من دون منّة، دولةٍ توفّر فرصة عمل لكل مواطن، دولةٍ تنمّي الإحساس بالمسؤولية والعدالة، دولةٍ تضمن الأمن والأمان والراحة للجميع، دولةٍ تعترف بالتنوّع والشمول، وتحترم الحرّيات والحقوق الاجتماعية والتعايش الديمقراطي، دولة تضع مواردها في خدمة مواطنيها لرفع نوعية حياتهم وتحسين شروطها وفق خططٍ علميةٍ طموحةٍ وشفافة.
دعونا نحلم بعراق مختلف، موحّد، ملتزم، منتج، حضاري، منفتح على قيم العصر. وحتى لو كان هذا الحلم صعبا، أو قل مستحيلا، فإن الحياة ستكون جميلة، عندما نعيشها لأجل حلم صعبٍ، وما أقسى الحياة عندما نعيشها بلا أحلام؟
دعونا نحلم إذن، ولو لمرة واحدة!