الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النقي.. صامتاً في طرف المسرح

بواسطة azzaman

النقي.. صامتاً في طرف المسرح

جاسم العزاوي

 

وقف النقي أمام المنصة، يرسل كلمات ودّ ومحبة، ولكن حين إلتف حوله، تغيّرت الملامح المألوفة، صار البعض يهجم عليه بالصياح والنياح؛ مطالبين بتنحيته عن موقعه، وهم يلقون عليه تهماً لا تمت لشيمه بصلة؛ فإنسحب يخلي المكان الذي تهافتوا عليه.إنسحب الى طرف المسرح، كظل يلوذ بجدار، صامتًا، بينما إستغل أشباه الأصحاب كل مساحة المكان ليملأوه صخباً وإتهامات.. تتقافز الكلمات في الهواء كالسهام، وتتكسر على دروبه الداخلية من دون رحمة.

نظر حوله، يراقبهم بعينٍ لا تفقد صوابها، يحاول قراءة ما وراء الألفاظ والإيماءات؛ بحثاً عن جذور الغدر المتأصلة في قلوب من إعتقد يوماً أنهم قريبون، كل حركة تبدر منهم تشكل درسًا له في أنانية البشرية، وكل صوتٍ يصدر عن أحدهم يحمل لعنةً؛،فتساءل: هل يستطيع المرء أن يحيا بين البشر صافيًا، من دون أن يلوثه خبثتهم؟ دماغه يغزل صورًا متناقضة: المسرح صغير، لكنه يكفي لإحتواء كل هذا العداء.. الهواء مشحون بالغضب، لكنه ينبض في داخله بهدوء غريب، كأن السماء نفسها تراقبه، والزمن يتوقف لحظةً لإختبار ثباته.  تأمل النقي في فكرة أن الصمت ليس ضعفًا، بل مرآة للنقاء، وأن كل صياح أو إتهام لن يشوه ضوءه الداخلي بعتمة وقاحتهم.. تخيل نفسه فوق ساحة دانتي، وسط أجواء المعري، حيث الظلال والألوان تتشابك، والكلمات تهوي مثل رمح في الليل، وهو يقف، ثابتاً، يسمع ويقاوم أنين التائهين في البرزخ المطهر.. ماكثين.. لن تخلي زبانية جهنم سبيلهم، يتلظون في عذاب روح آفلة، بينما النقي نجم صافٍ يتلألأ في السماء .

هم يملأون المسرح بحضورهم العدائي.. شعر بلهفة روحه تتسع، كما لو أن كل تهمة وكل صرخة تصبح لحظة للتأمل، وكل قفزة من أشباه الأصحاب درس في الصبر، وكل سهام كلامهم تتحول إلى نورٍ داخلي يثبّت يقينه بأن: النقاء لا يحتاج دفاعاً، والحق يظل حقاً، حتى لو غرق المكان في الباطل، محاطاً بأسيجة وأسوار من فوضى مفتعلة لتمرير الضلال.

سار من  طرف المسرح الى دهليز غبار الحقد كأيقونة صامتة، يحيا في داخله عالم من صفاء وهدوء، حيث لا يصل إليه الغدر، ولا يلمسه الصياح، عالمه الذي صاغه في قلبه منذ زمن بعيد، عالم نقيّ لا يهزه بشر، مهما إستغلوا المساحات الشاغرة وأطلقوا لشياطينهم العنان تحيط به؛ فهو يعلم أن الصدق والصبر هما مفتاح الأبواب التي أوصدوها و حطموا أزرارها.

 

 

 

 

 


مشاهدات 32
الكاتب جاسم العزاوي
أضيف 2025/10/14 - 2:39 PM
آخر تحديث 2025/10/15 - 1:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 102 الشهر 9633 الكلي 12149488
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير