الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدكّة الوردية… حضارة الدماء المعطرة

بواسطة azzaman

الدكّة الوردية… حضارة الدماء المعطرة

شوقي كريم حسن

 

ها قد بشّرونا، أيها السادة، بأن “الدكّة العشائرية” ستدخل مرحلةً جديدة من التاريخ البشري، وأنها – بفضل فطنة ساستنا الأكارم وعبقرتهم الفذّة – ستتحول من طقسٍ مسلحٍ دامٍ إلى مناسبةٍ اجتماعيةٍ دافئة… أشبه بحفل استقبال أو حفل تخرج!

من الآن فصاعدًا، لم يعد مطلوبًا من “الداكوك” أن يجرّب كفاءة أسلحته، ولا أن يختبر سرعة الطلقات، بل عليه أن يتجه إلى محل الورود الأقرب، وأن ينتقي بعنايةٍ باقات قرنفلٍ وورد جوريٍّ ذات ألوان زاهية. سلاح المرحلة القادمة ليس “كلاشنكوف” ولا “BKC” بل “بوكيه” أنيق مع بطاقة تهنئة مكتوب عليها: “مع أطيب الأمنيات بدكّة سلمية ناجحة!

لكن مهلاً، لا يكفي الورد وحده، فـ”الدكّة” الجديدة تتطلب بروتوكولًا حضاريًا راقيًا. على الداكوك المحترم أن يحجز فرقة موسيقية كلاسيكية تعزف مقطوعات من موزارت أثناء تنفيذ “الدكّة”، أو على الأقل أن يأتي بفرقة طبل وزرنة تفتتح العرض بأهازيج السلام. وبعدها يتقدّم بعض الشعراء الشعبيين بإلقاء قصائد مدح في المدكوك، يذكرون فيها مناقبه، ويشيدون بكرمه، وربما يطلبون منه الصفح لأنه أجبرهم على دكّه دكًّا ناعمًا لا يُسيل الدماء.

ولكي نكون أكثر مدنيّة، من الأفضل أن يرافق الداكوك مصور فوتوغرافي يوثّق الحدث بعدسته، وصانع محتوى ينشر المقطع على “التيك توك” بعنوان: “أول دكّة سلمية في الشرق الأوسط”، مع هاشتاغ #دكّة_بالحب و #عشائر_مودرن.

أما المدكوك – وهو بطل القصة وصاحب النصيب – فعليه أن يرتدي بدلة أنيقة ويقف أمام باب بيته لاستقبال “المهنئين”. يصافحهم بحرارة، ويبتسم أمام الكاميرات، ويشكرهم على رقيّهم وتحضّرهم. وربما يُلقي كلمة قصيرة يعلن فيها أن ما جرى ليس اعتداءً بل “تعبير حضاري عن الاختلاف بالرأي”.

وبالطبع، لا ننسى أن نختم المشهد بوليمة ضخمة، يُوزّع فيها الكباب والمندي على الحاضرين، وتُرفع فيها الكؤوس احتفالًا بنهاية عهد الرصاص وبداية عصر “الدكّة السلمية”. وقد يتخلل الحفل توقيع اتفاقيات تعاون مستقبلي بين العشيرتين، أو جلسة حوار وطني مصغّرة حول أساليب الدكّ في القرن الحادي والعشرين.

تخيّلوا يا سادة، أيّ قفزة حضارية نحن بصددها! من معارك تُخاض في أزقة القرى، إلى مهرجانات زهرية بديعة. من إطلاق النار في الهواء إلى إطلاق الحمام الأبيض في السماء. من “ترهيب الخصم” إلى “تهنئته”.

لقد حلّ زمن جديد… زمنٌ لا مكان فيه لصوت الرصاص، بل لصوت الكمان. زمنٌ لا نعدّ فيه الجرحى، بل عدد الإعجابات على مقاطع “الدكّة”. زمنٌ لا يُطلب فيه الصلح من شيوخ العشائر، بل من شركات تنظيم الحفلات.

هكذا، تتقدم الدولة خطوةً جبّارة نحو الأمام، وتنتقل “الدكّة العشائرية” من قائمة الجرائم إلى قوائم الفعاليات الثقافية. وربما – من يدري – نراها قريبًا بندًا رسميًا في مهرجان “بغداد للسلام”، أو فقرة في افتتاح كأس الخليج: “الدكّة الاستعراضية الأولى في العالم!”

فيا أيها الداكون والمدكوك، لا تستعجلوا الرصاص… حضّروا الزهور. لا تجهزوا البنادق… احجزوا الفرقة الموسيقية. فالعراق الجديد لا يريد دماءكم، بل صوركم على إنستغرام، وابتساماتكم في حفلات الدكّ الحضاري…وصلوات الحلو فات،،فات

بس ما دكوا عليه،،الحلو فات!

 


مشاهدات 39
الكاتب شوقي كريم حسن
أضيف 2025/10/05 - 2:48 PM
آخر تحديث 2025/10/06 - 5:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 156 الشهر 3569 الكلي 12043424
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير