بين جماهير العراق والشعب النيبالي
احسان باشي العتابي
في كل مكان من هذا العالم، حين تدرك الشعوب انها ضحية لظلم واستبداد الطبقة الحاكمة، تنهض لتكسر قيودها، وتفرض معادلة جديدة تفتح امامها افقا لمستقبل واعد يشار له بالبنان بعد حين من الزمن. عدا العراق ،الذي يبدو وكانه استثناء شاذ من هذا القانون، الذي تتناقله حقب التاريخ جيلا من بعد جيل! شعب النيبال، الذي ربما لم تبلغ مظالمه نصف ما يكابده العراقيون منذ قرابة الربع قرن، قرر في لحظة ادراك حاسمة ان ينتزع حقوقه، ويترجم عمليا مقولة الشاعر ابي القاسم الشابي: “ اذا الشعب يوما اراد الحياة، فلا بد ان يستجيب القدر.”.
اما العراقيون، فالمشهد معكوس وصادم. جماهير منهوبة ومسحوقة، جردت من ابسط مقومات العيش الكريم،ومع هذا ،فهي تصفق وتدافع بشراسة عن جلاديها! والنتيجة واضحة: وطن مستباح،والمشهد يتسيده اوغاد صغار، يعوضون شعورهم بالدونية امام الخارج بخداع اغلبية اهل الداخل، مستندين الى حجج واهية لا تنطلي الا على من اختاروا العبودية طوعا! والمخلصين للوطن يدفعون الى الهامش بل المجهول المرعب! وهم القلة من بين تلك الجماهير المطبلة للحكام كما بينا. ان التغيير، حين ياتي نتيجة ظلم واضطهاد الطبقة الحاكمة، يكون حدثا مفرحا ومبشرا للغاية؛ اذ يمنح الشعوب المنتفضة بارقة امل لاصلاح اوضاعها والسير بها نحو ما تطمح اليه كما حدث في بلدان عديدة واخرها النيبال كما اسلفنا. غير ان المشهد في العراق يبقى مختلفا، اذ يحيط به الكثير من المخاطر والهواجس من مستقبل قد يكون اسوا مما سبقه!ولست هنا متشائما كما يظن البعض، بل اقرا واقع الحال قراءة موضوعية، تستند الى طبيعة التوجهات والمزاجية العامة للجماهير العراقية، التي اثبتت تاريخها ــ على الاقل في الحقب المتاخرة منه ــ انها غالبا ما تعيش حالة انقسام داخلي لاسباب عديدة هي غير خافية على احد.
ومن اجل الخروج من هذه الحلقة المفرغة، فان الحاجة تفرض نفسها الى نظام وطني حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ نظام يومن بتطبيق القانون وفق مبدا العدل والمساواة بين الراعي والرعية، ويؤسس لبناء جيل يرتبط بالوطن روحيا قبل كل شيء، باعتباره مصدر السلطات في الدولة. عندها فقط، تصبح الطبقة الحاكمة من قمة الهرم الى ادناه، مجرد موظفي خدمة عامة، يؤدون واجباتهم المنصوص عليها وفق نصوص القانون.هنا فقط نستطيع القول، اننا وجهنا بوصلة بناء الوطن بالاتجاه الصحيح.