الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أربعينيّة الإمام الحُسين.. مَسيرُة لن تتوقف بحبه

بواسطة azzaman

أربعينيّة الإمام الحُسين.. مَسيرُة لن تتوقف بحبه

اهل كربلاء خيمة كبيرة لضيوفها

حاكم الشمري

 

في كلِّ عام، تُطلّ أربعينيّة الإمام الحُسين عليه السّلام، فتُبدِّل وجه العراق إلى لوحةٍ من الإيمان والصبر والوفاء. ملايين الزوّار من داخل البلاد وخارجها يشقّون الطُرق سيرًا على الأقدام باتّجاه مدينة كربلاء، حيث مثوى سبط النبيّ الشهيد، في مشهدٍ هو الأضخم في العالم من حيث التجمّع البشريّ المنظَّم. لكن، ما الذي يجعل هذه الزيارة استثنائيّة إلى هذا الحد؟ وما هي الأبعاد التي تنطوي عليها؟وتعود جذور زيارة الأربعين إلى اليوم الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في واقعة كربلاء عام 61 هـ. وقد ورد في الأحاديث أنّ أول من زار قبر الحُسين عليه السلام في الأربعين كان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي جاء من المدينة إلى كربلاء مشيًا على قدميه ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأربعين مناسبةً سنويّةً لإحياء الذكرى واستذكار المبادئ التي استُشهد من أجلها الإمام، من عدالةٍ ورفضٍ للظلم، وإصلاحٍ في أُمّة جدّه والمسيرة المليونيّة نحو كربلاء تبدأ عادةً قبل أسبوعين من موعد الأربعين، ويتجمّع الزوّار من كلّ أنحاء العراق، خصوصًا من البصرة والناصرية والعمارة والنجف، ليسيروا مئات الكيلومترات، مشيًا على الأقدام. كما يفد الملايين من الزائرين من دول مثل إيران، باكستان، الهند، لبنان، البحرين، نيجيريا، وأذربيجان، بل ومن أوروبا وأميركا وفي الطريق، تنتشر مواكب الخدمة الحسينيّة التي تقدّم الطعام والماء والمبيت والتطبيب مجّانًا. هذه المواكب لا تقتصر على جهة أو طبقة اجتماعيّة، بل يشارك فيها الجميع: الفقير والغني، الصغير والكبير، النساء والرجال وتُعدّ الأربعينيّة مناسبةً لتجلّي قيمٍ ساميةٍ مثل الكرم، التضحية، التواضع، وحبّ الآخر. فالمضيف يُقبّل أقدام الزائر، ويعتبر خدمته شرفًا. ويتحوّل العراق في تلك الأيّام إلى ساحةِ تَسامُحٍ وتعايش، حيث يذوب التمايز الطائفيّ والقوميّ، ليجتمع الناس على حبّ الحسين وكذلك تُعتبر الزيارة أكبر تظاهرة تطوّعية عالميّة، حيث يعمل الملايين في المواكب من دون أيّ مقابل، في تنظيمٍ شعبيّ فريد، لا تديره مؤسّسة رسميّة ورغم أنّ كثيرين ينظرون إلى الأربعينيّة من الزاوية الروحيّة، فإنّ لها أبعادًا اقتصاديّة مهمّة. فهي تحرّك الأسواق، وتُنشّط قطاعات النقل، والفندقة، والغذاء، والاتّصالات. وتشير تقديرات إلى أنّ أكثر من 30 ألف موكب حسينيّ تُقام سنويًا في العراق خلال الأربعين، ويُشارك في الزيارة نحو 22 مليون زائر بحسب إحصاءات غير رسميّة.

وكذلك، تواجه الجهات الأمنيّة والخدميّة تحدّياتٍ لوجستيّة كبيرة، حيث يتمّ تأمين المياه، والكهرباء، والمواصلات، والتغطية الطبيّة لأعدادٍ هائلة، في وقتٍ قصير.وباتت زيارة الأربعين تُغطّى عالميًا من قنوات وصحفٍ دوليّة، نظرًا لضخامتها واستمراريّتها. كما أصبحت مركزًا لإنتاج الآلاف من القصائد، والأناشيد، واللوحات الفنيّة، والمجسّمات التي تُعبّر عن واقعة الطفّ.

إضافةً إلى ذلك، تنتشر المبادرات الثقافيّة والتوعويّة والدينيّة في طريق الزائرين، عبر مكتباتٍ متنقّلة، ومجالسَ حواريّة، تُسلّط الضّوء على القيم التي حملها الإمام الحُسين عليه السلام وعلى مدى السنوات الماضية، شكّلت التهديدات الأمنيّة، خصوصًا من قبل الجماعات الإرهابيّة، تحدّيًا كبيرًا أمام إتمام الزيارة. لكنّ التعاون بين القوى الأمنيّة، والحشد الشعبي، والمتطوّعين، أظهر قدرةً عالية على حماية الزائرين وتسيير المناسبة بسلام.

ولم تَعُد زيارة الأربعين شأنًا محلّيًا أو شيعيًا فقط، بل أصبحت رسالةً إلى العالم عن قوّة الإيمان الشعبيّ، وعن انتصار المظلوم على الظالم، وعن قدرة الشعوب على تنظيم أنفسها بمعزلٍ عن الأنظمة. وقد دعت شخصيّات عالميّة من ديانات مختلفة إلى دراسة هذه الظاهرة وفهم أبعادها وتبقى أربعينيّة الإمام الحُسين عليه السلام مناسبةً فريدة في التاريخ البشريّ، تجمع بين الحزن والفخر، بين الألم والأمل، بين الماضي والمستقبل. ومن كربلاء، لا تنبع دمعة فقط، بل تخرج رسالة: أنّ الإنسان الحرّ، لا يُباع، وأنّ "كلّ يومٍ عاشوراء، وكلّ أرضٍ كربلاء". واهل كربلاء خيمة كبيرة لضيوفها في كل يوم وكل سنة.


مشاهدات 53
الكاتب حاكم الشمري
أضيف 2025/08/11 - 2:57 PM
آخر تحديث 2025/08/12 - 12:12 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 376 الشهر 8609 الكلي 11403695
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير