موقف الناخب المخذول
دعاء يوسف
في كل دورة انتخابية، يتكرر المشهد ذاته: زحام عند صناديق الاقتراع، وعود لامعة تتدفق من أفواه المرشحين، وخطابات تلامس جراح المواطن وتوهمه بالخلاص. لكن ما إن يُقفل صندوق الاقتراع، حتى يغلق معه باب الأمل.الناخب العراقي – ذلك الإنسان الذي ما زال يؤمن، رغم كل شيء، بفكرة التغيير – يجد نفسه اليوم مخذولًا، لا لخلل في اختياره، بل لخذلان متكرر من النخب السياسية التي استثمرت صوته واستنزفت ثقته.في الأحياء الفقيرة، وفي المدن التي أنهكها الإهمال، لا تحتاج لعدسة مكبرة كي ترى آثار الوعود الكاذبة: شباب عاطلون، مدارس بلا مقاعد، شوارع بلا خدمات، ومواطن لا يملك من أدوات الدفاع عن حقوقه سوى ذاكرة مثقلة بالخذلان.لا أحد يُنكر أن الديمقراطية تعني المشاركة، لكنها لا تعني أن يُستغل المواطن مرة بعد أخرى ليكون سلّماً يصعد عليه الآخرون. فالناخب لم يعد يطلب المستحيل، بل يطالب بالحد الأدنى من الكرامة: خدمات، فرص عمل، بيئة آمنة، ومحاسبة عادلة.الكثير من العراقيين الذين صوّتوا في الانتخابات الماضية، يقفون اليوم على الحياد، رافضين تكرار التجربة. لم يعودوا يصدقون الوعود ولا يهتمون بأسماء الكتل ولا بحجم الدعايات. إنهم فقط يشعرون أنهم استُغلوا.
تتكرر النداءات بضرورة المشاركة في الانتخابات كوسيلة للتغيير، ولكن من الذي سيُقنع الناخب أن صوته لن يُختطف مجددًا؟ كيف سيُطلب من المواطن أن يثق بمؤسسات لم تقف معه حين انهار راتبه أو تهدم بيته أو خسر ابنه في حادث فساد إداري؟ اليوم، موقف الناخب المخذول لا يعبّر عن يأس، بل عن وعي متراكم. وعي بأن التغيير لا يكون فقط بصناديق الاقتراع، بل بمحاسبة من يعتلي المنصة، وبكسر الحلقة المتكررة من الاستغلال.ولعل أولى خطوات إعادة الثقة تبدأ من مصداقية البرامج السياسية، وتطبيقها على أرض الواقع، لا من فقاعات إعلامية سرعان ما تتلاشى بعد إعلان النتائج.
حتى ذلك الحين، سيبقى الناخب العراقي حذرًا، متأملًا بصمت أن يأتي يوم لا يشعر فيه أن صوته كان مجرد رقم يُستخدم لمرة واحدة ثم يُرمى في سلة النسيان.