أصنام الفساد في العراق من يجرؤ على تهشيمها؟
حسين الفلوجي
في العراق اليوم، لم يعد الفساد مجرد مرضٍ ينتشر في جسد الدولة والمجتمع، بل تحوّل إلى دينٍ جديد، له طقوسه، وأربابه، ومريدوه ممن يسجدون له كل صباح ومساء، ويقسمون باسمه عند كل صفقة، كل خيانة، وكل سرقة مالٍ عام.
في بلاد الرافدين، حيث كانت الأصنام تُنحت من حجر وتُعبد، ها هم العراقيون يعودون ـ للأسف ـ إلى سيرتهم الأولى، ولكن بشكلٍ جديد: يصنعون من بعض الفاشلين والسُرّاق أصنامًا بشرية، يرفعونها على كراسي الحكم، ويُقدّسونها في الفضائيات والمجالس، ويُحيطونها بجدران من الخوف والولاء والطاعة العمياء. حتى صار الاقتراب منهم جريمة، والحديث عنهم تهمة، والتفكير بمحاسبتهم خيانة عظمى.
تحوّل رموز الفساد إلى أصنام
في العراق، لم تعد وجوه الفساد مجرد أسماء لمسؤولين وسياسيين ورجال اعمال، بل تحولت الى رموز وطواغيت مقدسة، تُقدَّم لها فروض الولاء، وتُرسم حولها هالات الحصانة، ويُمنع المساس بها.
والمُحزن حقًا أن هؤلاء، رغم وضوح فسادهم وفشلهم وتبعيتهم، لم يُحاسَبوا؛ بل رُفِعوا على منابر الإعلام، واتُبِعت أسماؤهم بالألقاب والمكانة، حتى صار البعض يعبدهم فعليًا، لا مجازًا. يُبرر أفعالهم، ويدافع عنهم، ويفتديهم بالمنطق والطائفة والانتماء، وكأنهم فوق الحق، وفوق الوطن.
مدلول قصة إبراهيم عليه السلام
في القصص القرآني، تحمل سيرة إبراهيم عليه السلام وتعاملُه مع الأصنام دلالات عميقة وعابرة للزمن. فعندما قرر تهشيمها، لم يكن هدفه مجرد كسر الحجر، بل تحطيم التبعية الفكرية والعقائدية التي غيّبت وعي الناس. وعند وضعه الفأس على كبير الأصنام لم يكن عبثًا، بل كان سؤالًا استفهاميًا صارخًا: لماذا تعبدون من لا ينفعكم؟ وبذات المعنى، نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى من يطرح هذا السؤال على شعبٍ صار يرى في الفاسدين قادة، وفي اللصوص رموزًا وطنية. نحن بحاجة إلى شخصية وطنية شجاعة، لا ترهبها الأصنام ولا جيوشها، تؤمن بالشعب لا بالمحاصصة، وتُمسك بفأس الوعي لا السلاح، فتهوي بها على أحد رؤوس الفساد الكبرى، وتقول كما قال إبراهيم عليه السلام: «بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون.»
ختاما: الفساد في العراق لم يعد مجرد انحراف في السلوك، بل أصبح ثقافة، وواقعًا يوميًا، ومنظومة تحمي نفسها بأصنامها. وكما بدأ إبراهيم بتحطيم الأصنام ليستيقظ وعي قومه، فإن العراق اليوم لا يحتاج فقط إلى قائد شجاع، بل إلى شعبٍ يصحو من سباته، ويكفّ عن تقديس الفاسدين، ويعيد الفأس إلى مكانها الصحيح: فوق رقاب من باعوا الوطن وسرقوا مستقبله.
سياسي مستقل