الأنفال وجريمة إبادة البارزانيين
احمد زبير باني
في سجل المآسي الإنسانية الكبرى، تبقى عمليات الأنفال التي نفذها النظام البعثي العراقي في ثمانينات القرن الماضي وصمة عار لا تُمحى من جبين الشوفينيين، وجرحًا مفتوحًا في الذاكرة الكوردية الجمعية.
فما حدث لم يكن مجرد “حملة عسكرية”، بل كان مشروع إبادة منظم، استهدف الإنسان الكوردي وجودًا وهوية وثقافة، بروح انتقامية بعيدة عن كل القيم الإنسانية والدينية.
وكانت التراجيديا الأعظم ضمن هذه العمليات هي إبادة أكثر من ثمانية آلاف من البارزانيين الأبرياء عام 1983، حيث اُقتيد رجال وشباب من عشيرة البارزاني، بلا ذنب سوى انتمائهم، إلى مصير مجهول. هؤلاء لم يُعثر لهم على أثر حتى يومنا هذا، وقد تم دفنهم في مقابر جماعية وسط صمت دولي مريب.
لم يكن الضحايا يحملون السلاح، ولم يكن لهم من جريمة سوى أنهم كورد، أرادوا العيش بكرامة على أرض آبائهم وأجدادهم. فكانت المكافأة لهم هي التهجير والتصفية والمحو من الوجود، وفقًا لعقيدة شوفينية لا تؤمن إلا بالإلغاء والاستئصال.
إن عملية الأنفال سيئة الصيت، التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية والمقابر الجماعية وسياسات الأرض المحروقة، لم تكن فقط جريمة ضد شعب، بل كانت جريمة ضد الإنسانية، ارتُكبت أمام مرأى ومسمع من العالم المتحضر، الذي لم يحرك ساكنًا.
لقد تركت الأنفال ندوبًا في الروح الكوردية لا تندمل، وأوجاعًا في ذاكرة الأمهات الثكالى والأطفال الذين كبروا يتامى، يبحثون عن أسماء آبائهم على لوائح الشهداء، أو في صفحات الجرائم المنسية.
وما يدعو للأسى والقلق أن تلك العقلية الإقصائية التي ارتكبت تلك الجرائم، لم تندثر بالكامل، بل ما زالت حية تسكن في زوايا القرار ببغداد. فهي، وإن تغيّرت في مظهرها، إلا أنها لا تزال تحمل ذات النَفَس الاستعلائي تجاه كوردستان، وتعمل بوسائل جديدة وأساليب ملتوية للنيل من حقوق الشعب الكوردي، سواء عبر خنق الموارد المالية، أو تقويض التجربة الديمقراطية الكوردستانية، أو إثارة الأزمات لعرقلة تطلعات كوردستان نحو الاستقرار والازدهار.
ومع ذلك، فإن ذاكرة الشعوب لا تموت. والعدالة، وإن تأخرت، لا بد أن تأتي. فدماء البارزانيين وغيرهم من ضحايا الأنفال ستظل منارة تضيء طريق الحرية والكرامة، وستبقى لعنة تلاحق كل من تلطخت أيديهم بتلك الجرائم، في الماضي والحاضر.