عندما يكون الجشع أقوى من القانون
عماد آل جلال
فجأة، اشتعلت النيران في مبنى تجاري بمدينة الكوت، وما لبث الحريق أن التهم الطوابق كلها، ومعها أرواح العشرات ممن كانوا يتسوقون أو يعملون أو حتى يمرون في محيط المكان. عدد الضحايا في تزايد، ومشاهد الأشلاء المتفحمة أعادت للذاكرة العراقية صورا من كوارث سابقة لم تندمل بعد، من “حريق مستشفى الحسين” في الناصرية، إلى “فاجعة الحمدانية” في نينوى.
لكن السؤال الذي يحترق هو: من المسؤول؟
في بلدان تُحترم فيها أرواح الناس، يُفتح تحقيق جنائي في أولى لحظات الكارثة. أما في العراق، فإن المشهد يكرر نفسه: بيانات تعزية، تشكيل لجنة، ووعود بمحاسبة “المقصرين”. أما الحقيقة فتختبئ خلف دخان كثيف من الإهمال والفساد الإداري.
إن مالك المول الذي حوّل مبنًى كان مطعما إلى مركز تجاري ضخم بلا موافقات رسمية ولا اشتراطات سلامة، يتحمل المسؤولية الجنائية الأولى. لكنّ المسؤولية لا تقف عنده. بل تتعداه إلى أجهزة الدولة الرقابية التي غطّت عينيها، ودوائر الدفاع المدني التي لم تُغلق المول، وبلدية غائبة لم تسأل: من سمح؟ وكيف؟ ولماذا؟
إن الكوت لا تبكي فقط ضحاياها، بل تبكي نظاما إداريا مترهلاً، يعجز عن إيقاف مشروع مخالف، لكنه لا يعجز عن استلام الرشى أو طمس الملفات.
إن هذه الفاجعة تمثّل جرس إنذار صارخ: الفساد لا يقتل بالمال فقط، بل يقتل بالأرواح.
من هنا، فإن الواجب لا يقف عند تقديم تعازي رسمية، بل يتطلب كشفا للرؤوس المتورطة، لا أسماء صغيرة تُرمى كبش فداء. فهل تفعلها الحكومة؟ أم سنعدّ القتلى ونمضي إلى كارثة قادمة؟