الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يصبح الفضول خط الدفاع الأول

بواسطة azzaman

حين يصبح الفضول خط الدفاع الأول

أسامة أبو شعير

 

في حوار مطوّل جمع الصحفية المتخصصة في الشؤون النووية آني جاكوبسن، وضابط المخابرات المركزية السابق أندرو بوستامانتي، والباحث في شؤون إيران والصراعات الدولية بنجامين راد، على منصة «ذا دايري أوف آ سي إي أو»، تكشّفت ملامح عالم مأزوم يقف على عتبة حرب عالمية ثالثة — حرب قد لا تبدأ بصواريخ، بل بأسطر برمجية وومضات معلوماتية تحكمها خوارزميات بلا فضول ولا ضمير.

جلس هؤلاء الخبراء يراجعون مؤشرات الانهيار في الغرب: أزمات سياسية متشابكة، اختناقات اقتصادية، انقسامات ثقافية عميقة. ناقشوا كيف تسابق دولٌ مثل روسيا والصين والولايات المتحدة إلى بناء قدرات نووية وذكاء اصطناعي عسكري قد يتخذ قرارًا كارثيًا خلال ثوانٍ، فقط لأن إنذارًا خاطئًا وصله عبر شاشة رادار.

لكن خلف هذا كله، ظهر سؤال أعمق بكثير، سؤال يعنينا نحن في الشرق الأوسط كما يعنيهم تمامًا:

هل نملك مناعة معرفية تحمينا من أن نكون ساحة الحرب التالية؟ وهل نربّي في أطفالنا وشبابنا القدرة على التساؤل قبل الانقياد؟

معركة على الوعي… لا على الجغرافيا فقط

قصصٌ إعلامية

في تفاصيل الحوار، أوضح بنجامين راد أن إيران وإسرائيل لا تخوضان فقط سباقًا تسلحيًا، بل أيضًا «حربًا سردية»، حيث تُصاغ قصصٌ إعلامية لإعادة تعريف العدو والصديق، ولزرع قبول جماهيري بأي تحرّك عسكري لاحق.

أما جاكوبسن فذهبت أبعد حين بيّنت أن الخطورة الأكبر لا تكمن في امتلاك رؤوس نووية، بل في تكنولوجيا قد تتخذ قرار إطلاقها دون بصيرة بشرية نقدية. في المقابل، قال بوستامانتي عبارة ينبغي أن نتوقف عندها طويلًا:

«إذا توقف الناس عن التساؤل، صاروا أدوات صماء في حروب لا يعرفون حتى كيف بدأت

هنا تتقاطع السياسات التعليمية والاقتصادية

من واقع خبرتي في تصميم السياسات التعليمية والتنموية، أعلم يقينًا أن ما يُبنى في عقول الطلبة اليوم هو ما سيحدد شكل أسواق العمل، وحجم الفرص، ومرونة الاقتصاد بعد عقدين.

لكن الحقيقة الصادمة أن كثيرًا من مناهجنا التعليمية لا تزال تزرع «الإجابات الجاهزة» بدلًا من أن تغرس شغف السؤال والبحث. فتتخرج أجيال مؤهلة لاجتياز اختبارات، لكنها أقل استعدادًا لاجتياز الأزمات العالمية المركبة، أو التفكير بمنتجات وخدمات جديدة تعزز اقتصاداتهم.

والأدهى أن هشاشة التعليم النقدي تجعل مجتمعاتنا مهيأة لأن تكون مسرحًا لحروب إعلامية ونفسية قبل أن تكون ساحة لحروب مادية. وهنا يبرز الفضول بوصفه خط الدفاع الأول.

الفضول… استثمار تنموي واقتصادي

كثيرون ينظرون إلى الفضول على أنه قيمة ثقافية أو ترف فكري. لكن الحقيقة أن الفضول — أي القدرة المستمرة على التساؤل والربط والبحث — هو محرك الابتكار، وهو الذي يخلق أسواقًا جديدة ووظائف لم تكن موجودة. إنه في النهاية مسألة أمن اقتصادي وتنمية مستدامة.

إعادة إنتاج

بل الأبعد من ذلك: في عالم الذكاء الاصطناعي، ستصير الوظائف التي تتطلب إعادة إنتاج المعلومات عرضة للزوال، ولن يبقى إلا مكان لأولئك الذين يطرحون أسئلة غير مألوفة ويصوغون حلولًا فريدة.

من هنا نبدأ من يتابع ذلك الحوار بين الخبراء سيدرك سريعًا أن أزمات الغرب ليست محصورة في مؤسساته أو قراراته السياسية، بل تمتد إلى ضعف قدرته على إعادة تشكيل وعيه في زمن متغيّر.

أما نحن، فما زال أمامنا متسع لنختار أي تعليم نريد، وأي إعلام نريد، وأي أسواق عمل نريد.

السؤال الحقيقي: هل نستثمر في تعليم يغرس ملكة التساؤل ويحصن العقول من الحرب النفسية والمعلوماتية؟ أم نترك أجيالنا القادمة تدخل إلى حروب الآخرين دون وعي ولا درع؟

قد تكون الحروب القادمة أسرع مما نتصور، لكن قدرة الإنسان على الفضول، على التفكير الناقد، ستظل — إلى أن يثبت العكس — أعظم أسلحتنا.

 

 خبير اقتصادي ومستشار دولي في سياسات التعليم والتنمية

 

 


مشاهدات 46
الكاتب أسامة أبو شعير
أضيف 2025/07/12 - 2:58 PM
آخر تحديث 2025/07/13 - 11:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 350 الشهر 7899 الكلي 11161511
الوقت الآن
الأحد 2025/7/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير