زيارة السوداني .. توقير المكان وأستفهام السكان
جعفر محي الدين
في مدينة تتكئ على سبعة قرون من الوعي و التاريخ ، و في طرقاتها التي مشت عليها أقدام العلماء و الشهداء ، حلّ عليها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضيفاً عزيزاً ، في زيارة أثارت من التساؤلات ما لم تكتفِ به الكلمات الرسمية .
فبين من رأى فيها تجسيداً للإهتمام الرسمي بالمدينة المقدّسة ، و من قرأها كمشهد علاقات عامة تغيب عنه المضامين الحقيقية ، ظلّت النجف كعادتها تُصغي بوعي صامت ، لكنها لا تنسى أن تقرأ ما خلف السطور ..!!
مزيج من الترقب و الإستياء الشعبي ،
رغم الهالة البروتوكولية التي أحاطت الزيارة ، عبّرت شريحة غير قليلة من أبناء النجف عن أستيائها بصمت مدني ولا صراخ فيه ولا صدام ، بل تساؤلات مشروعة عن المغزى الحقيقي من الزيارة .
لماذا تأتي الزيارة في هذا التوقيت دون أن يسبقها إنجاز ملموس على أرض المدينة ..؟
ما جدوى الوعود التي تكرّرت مراراً من حكومات متعاقبة ، و ماذا تغير في واقع النجف ، منذ الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء و حتى هذه الزيارة ..؟
هل كانت الزيارة لتقديم حلول أم لتسويق إنطباع سياسي تجاه المرجعية لا أكثر ..؟
في سوق النجف و بين جدران الحوزة و حتى على أرصفة مقبرة وادي السلام ، كانت هناك كلمات تتداول همساً ما نريده من بغداد ليس السلام ، بل الإعمار لا نحتاج إلى الصور بل إلى الصدق و التنفيذ .
لعل البُعد الأهم في هذه الزيارة هو البعد المرجعي ، حيث تسعى الحكومة إلى تثبيت علاقة متوازنة مع الحوزة العلمية العليا ، و إن لم يُعلن عن لقاء مباشر مع المرجعية ، فإن القرب المكاني له رمزيته السياسية و الروحية ..!!
و من الزاوية الإستراتيجية تأتي الزيارة في ظل ظروف سياسية حساسة ، قد تسعى بغداد من خلالها إلى ترسيخ مكانة السوداني كقائد جامع ، و قادر على عبور الحساسيات بين الدولة و المرجعية ، بين القرار التنفيذي و الصوت الديني .
أما من جهة الشارع النجفي فإن الزيارة لم تنجح بعد في تبديد شكوك المواطنين حول جدية المشاريع ، خصوصاً في ظل تردّي بعض الخدمات و تعثر المشاريع الكبرى ، التي تم الإعلان عنها سابقاً .
إن زيارة السوداني للنجف و إن بدت في ظاهرها خطوة نحو التقارب ، فإنها في أعين النجفيين لم تكن سوى وقوف على العتبة ، أما الدخول إلى قلوب المدينة ، فيتطلب شيئاً أبعد من الكاميرات صدقاً في النية و وفاء في التنفيذ .!!
النجف لا تُخدع ولا تُغرى بالعبارات لأنها مدينة تأسست على البصيرة . فهل تكون هذه الزيارة بداية طريق جديد ، أم مجرد حلقة مكرّرة من مشهد طالما شاهدته المدينة من شرفة الصبر..؟؟ مجرد سؤال .