وداعاً إيقونة الفن العراقي

شوقي كريم حسن

بقلوب يعتصرها الألم، وعيونٍ تختنق بالدمع، نودّع اليوم قامةً فنيةً لا تتكرر، وأسطورةً من أساطير الإذاعة والمسرح العراقي، الفنانة الكبيرة إقبال نعيم، التي ترجّلت بصمت، كما كانت دائمًا، رفيقة للصدق، ومثالاً للخلق الرفيق.إقبال نعيم لم تكن مجرّد ممثلة، بل كانت روحًا تُضاء كلما تكلمت، وصوتًا يسكن الذاكرة العراقية بصبره، دفئه، واحترافه العالي. كانت الحاضرة في كل مسلسلاتي الإذاعية، تؤدي أدوارها بقلب الأم، ووعي الفنانة، وبصوتٍ هو أقرب إلى صلاةٍ تُقال في عزّ الصمت.. رحلت إقبال، وتركت وراءها إرثًا من المحبة، ومرايا من النقاء، ودروسًا في الالتزام، كانت فيها نموذجًا للمرأة الفنانة التي لم تتنازل يومًا عن كرامتها أو فنها، والتي ظلّت، رغم الألم، وفيةً لكل ما آمنت به من جمال وصدق.

وداعًا يا ابنة العراق النبيلة…

وداعًا أيتها الرفيقة التي لم تخذلنا يومًا في المهنة أو الصداقة. نمْ قريرة العين، فصوتكِ سيظل يتردّد في مسامعنا، ضوءًا لا يخبو، ووفاءً لا يُنسى.وأنا…

أنا الذي عرفتكِ عن قرب، لم أكن يومًا أمام ممثلة تؤدي دورًا فحسب، بل كنتُ أمام قلبٍ ينبض بكل كلمة، يملأ النص حرارة وصدقًا دون أن يتصنع شيئًا. كنتِ دائمًا هناك، في كل مسلسل إذاعي أكتبه، تسبقين الموعد، حافظةً للدور، مخلصةً للحكاية، كأنكِ تحملين الرسالة وحدكِ.

كنتِ تقولين لي دائمًا:

“المستمع يعرف مَن يكذب، فلا تكن خفيفًا على أذنه.”

وكنتِ أنتِ، طوال سنواتنا معًا، أثقل الأصوات وزنًا، وأخفها وقعًا على القلب.لم تكوني ممثلةً فحسب، بل كنتِ ضميرًا فنيًا، إنسانيًا، امرأةً بمئة رجل، مَن لا يرضى أن يُداس على الفن، ولا أن يُزيف الوجدان. كنتِ تقفين أمام المايكروفون كأنكِ تصلي، وكنا نحنُ نحسد المايك لأنه الأقرب إليكِ.

اليوم، أقف حزينًا، عاجزًا، لا أملك غير الكلمات… والكلمات تخون...وداعًا إقبال… يا مَن كنتِ لنا سندًا ورفيقة، يا مَن كنتِ النُبل حين يتعب العالم من النُبل.لو كان في العراق إنصاف، لكان لكِ تمثال على باب كل إذاعة، ولكُتبت سِيَرُنا نحنُ، نحنُ الكُتّاب والمخرجون، من بعد اسمكِ لا قبله.نامي الآن، فلن يُزعجكِ ضجيج هذا الخراب،نامي يا نقية، فقد تعبتِ بما فيه الكفاية.

باسم من كتب لكِ… وباسم كل من أحبكِ