الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
(مثلي لا يبايع مثله) مبدأ ثابت للإمام من اللحظة الأولى الى الرمق الاخير 

بواسطة azzaman

(مثلي لا يبايع مثله) مبدأ ثابت للإمام من اللحظة الأولى الى الرمق الاخير 

ماهر جبار الخليلي

 

دروس كربلاء بدأت حلقاتها العلمية والانسانية في العاشر من محرم سنة 61هـ ومازالت مستمرة وستبقى خالدة ما بقي الزمان الى يوم يبعثون.

ولعل سائل يسأل ما الذي أراد به الامام من هذا القول الخالد؟ وقبل الإجابة على السؤال لابد من معرفة السياق التاريخي له من حيث الزمان والمكان والظروف المحيطة.

تولى يزيد السلطة بعد موت معاوية في دمشق سنة 60هـ، مخالفا بذلك نص المعاهدة التي كانت بين الامام الحسن بن علي عليه السلام مع معاوية سنة 41هـ، والتي نصت على ان يكون الخليفة بعد معاوية هو الامام الحسن عليه السلام فان كان متوفيا يكون بديله أخيه الحسين عليه السلام.

كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة بأخذ البيعة من أربعة، وهم الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن يأبى عليك منهم فاضرب عنقه، وابعث إلي برأسه. فشاور في ذلك مروان ابن الحكم فقال: الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا، فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة، فقال عبد الرحمن وعبد الله: ندخل دورنا ونغلق أبوابنا، وقال ابن الزبير: والله ما أبايع يزيد أبدا.

اما الامام الحسين عليه السلام أقبل على الوليد وقال " إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالبيعة والخلافة"، ثم خرج عليه السلام .

ومعنى ذلك أن شخصًا مثل الامام الحسين عليه السلام، وما يتميز به من الصفات الحميدة وما يمثله من عمق عائلي لبيت النبوة ومركز العلم والمعرفة وميزان العدل والقسط ومهبط الوحي والقران ورمز الالتزام والزهد، لا يمكن باي شكل من الاشكال أن يبايع شخصًا مثل يزيد، الذي كان يُعرف بفجوره وعدم التزامه وسوء اخلاقه وفسوقه العلني.

بهذه الكلمات أعلن الإمام الحسين عليه السلام موقفا ثابتا فاصلا لانعطافه تاريخية مهمة، فهنا كان الموقف يفصل بين إعطاء الشرعية والانحراف عن المبادئ او الرفض والتمسك بالمبدأ وتحمل النتائج والاثمان مهما كانت.

الثورة على الظلم والقهر والفسوق ومخالفة احكام الإسلام ونصوص القران والسنة النبوية، هي ثورة حقوق والتزامات هي ثورة الانسان الحر غير العبد ولا الذليل المنقاد والتابع بعمى وظلال، هي الثورة التي أصبحت نموذج للأحرار في كل الدنيا، ثورة على الحكم الفاسد ثورة على الطغيان والاضطهاد، وفي الوقت نفسه كانت مطالبة بالحقوق المسلوبة بعد مخالفة العهود والمواثيق، فأصبح الامام وجهاً لوجه أمام الدور التاريخي الذي يتحتم عليه أن يصنعه بنفسه.

دروس الامام في هذا الموقف كثيرة ومتنوعة، ولكنها كلها امتدادا لمبدأ (مثلي لا يبايع مثله) فماهي الرسالة الموجهة من الامام الى البشرية جمعاء من خلال هذا الموقف؟ او الدروس المستقاة من هذا الينبوع الثر ؟

أولا : الثبات على المبادئ والوقوف عندها، ومراجعتها وتوضيحها وشرحها وتجسيدها فعلا لا قولا وشعارا فقط، بل التمسك بالمواقف الى اخر المطاف دون الانحياز عنها.

ثانيا: محاولة إصلاح ما يمكن اصلاح بدءا من الحلقة الأقرب ثم الحلقات الابعد تتابعا، وهو الامر الذي يحتاج الى التحشيد والتوضيح والخطاب طيلة الوقت.

ثالثا: تثبيت معيار في مواقف الاختيار الفاصلة لاتخاذ احد الطريقين، والامام وضع المعيار واتخذ القرار وأصاب الاختيار وتحمل النتائج ودفع الاثمان الباهظة.

رابعا: العزة للمبدأ لا للأشخاص والتضحية بالمضمون لا بالحجم.

عند الوقوف على النصّ الحسيني في وضع المعايير نجده يضع مقارنة بين شخصين يمثلان نموذج للقيادة، وأوضح مواصفات الأول بانه متجاوز على المقدّسات ومتهتّك للحرمات، مضطهد للرعية ومتجاوز كل الحدود الشرعية، أظلم العباد ودمر البلاد، وأهلك الأنفس المحترمة، واسال الدماء المحرمة، وزرع الخوف في النفوس وغير المواثيق والنصوص، وطبق الأحكام الظالمة المقيدة للحريات، والناهبة للحقوق ما جعل الرعب ينتشر بين أبناء الأمّة.

في الجهة المقابلة هناك نموذج للقائد الصالح الثابت على المبادئ ذو السيرة الحسنة والسمعة الطيبة، المراعي للحقوق، والمتقيّد بالأحكام الشرعية، والسيرة النبوية، فالإسلام يشترط في ولاة الامر الالتزام بالقواعد القرآنية الربانية، منها القسط والعدل والاخلاق وحسن التعامل، واحترام القوانين وإرادة الأمة والتجرد من حب التسلط واستغلال المنصب وجعله طريقاً للإثراء والتمتع.

(الحسين) اسم حفر في القلوب وكتب في النفوس ونقش في الوجدان، ذكراه دمعة وعبرة، ويومه تثبت عبر الزمان، ومعركته فاصلة في التاريخ، بين العزة والذلة، وهيهات منه الذلة، بعث من تربة كربلاء، صرخة ملات الارجاء، وسمعها سكان الأرض والسماء، ومازالت تدوي في الاذان عبر الازمان، ورادف اسمه الدمع والوجع والخذلان، وناقض المنطق بالانتصار رغم التضحيات، وتخلد موقفا وشخصا واحداث، وأحيا الضمائر الجامدة والمشاعر الساكنة، وانطلقت بدمائه ثورات الاحرار ضد الجبابرة الفجار، أسس لمنطق الحرية واسهم في القضاء على العبودية، نور على نور ملأت انواره الأمكنة والازمنة، وحارت فيه عقول المفكرين وفلاسفة الاولين والاخرين، فما معنى الجود بالأهل والولد والثبات على الموقف الى اخر رمد، هل ناظرك فيها نظير او نافسك فيها منافس، قد علمت البشرية معنى الشهادة ومعنى الموت بعزة الاحرار ووقفة الابطال الفرسان.

سيدي وابن سيدي تعلمت الإنسانية منك السلوك القويم والخلق العظيم واللسان السليم وصبر الحليم، واديت الرسالة بثقلها وكبرها واثرها، وحملت الأمانة التي رفضتها الجبال، وجاهدت في الله ما يستحق ان يقال عنه جهاد الصالحين، فقد كنت كلمة الحق على العباد والله هو الحق، فجسدت معنى الحق وحماية الحقوق واعطائها ودافعت عن سلبها، وكنت كلمة العدل، والله هو العدل فكنت خير من جسد العدالة بين البشر وانصفت قاتليك وخصومك، وكنت كلمة السلام، والله هو السلام فجسدت معنى السلام في صخب المعارك وناديت بالسلام في هوجة التعصب والطغيان، وكنت كلمة العزة والله هو العزيز ، فجسدت معنى الاعتزاز بالنفس التي كرمها الله فلا ذلة ولا هوان في قاموسك.

قالت عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام وهي تخاطب يزيد بالشام " اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَانْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا، وَأَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا، وَنَقَصَ ذِمَامَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا وَهَتَكَ عَنَّا سُدُولَنَا، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَمَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ، وَمَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ، وَسَتَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَانْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ وَسَفَكْتَ مِنْ دِمَاءِ عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ، حَيْثُ يَجْمَعُ بِهِ شَمْلَهُمْ وَيَلُمُّ بِهِ شَعَثَهُمْ وَيَنْتَقِمُ مِنْ ظَالِمِهِمْ وَيَأْخُذُ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ" وهذا ما كان فعلا، فزال حكم يزيد بعد سنتين فقط، وزال معه حكم بنو سفيان الذين ملأوا الأرض ظلما وطغيانا وتحققت نبوءة الهاشمية.

السلام عليك يا سيدي يا مولاي يا أبا عبد الله، السلام عليك في يوم استشهادك وانت تضيء بدمائك سراج النور الإيماني، ومعاني الإنسانية الحقة والنبل البشري، فقد " كُنتَ للرسولِ (صلى الله عليه وآله) ولداً، وللقرآن مُنقِذاً، وللأُمّةِ عَضُداً، وفي الطاعةِ مجتهداً، حافظاً للعهدِ والميثاقِ، ناكباً عن سُبُل الفُسَّاقِ، باذلاً للمجهود، طويلَ الركوعِ والسجود".

 


مشاهدات 141
الكاتب ماهر جبار الخليلي
أضيف 2025/07/07 - 3:32 PM
آخر تحديث 2025/07/08 - 9:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 236 الشهر 4401 الكلي 11158013
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير