الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التأويل والإنفلات السياسي

بواسطة azzaman

التأويل والإنفلات السياسي

محمد رسن

 

مع حلول الأول من محرم الحرام، تستعد الساحة السياسية والاجتماعية لزوبعة جديدة من التأويلات والانفلات في تفسير الخطاب الديني العظيم، ذلك الخطاب الذي يحمل في جوهره دعوة سامية للإصلاح، والتسامح، والالتزام بالمبادئ التي تنهض بالأمة.

لكن، كما جرت العادة، سيهرع كل طرف سياسي ليُلوِّي أعناق الكلمات، وينحت منها ما يخدم أجندته الخاصة، بعيدًا عن روح الخطبة ومقاصدها السامية. فستصبح العظة حصان طروادة تُغلف به المصلحة الحزبية، وتتخفى وراء لغة العظة والوعظ، حتى وإن تعارضت تلك الممارسات السياسية مع جوهر الخطاب الأصلي.أكثر العبارات التي ستتعرض للتسييس هي بلا شك: «الحفاظ على المكتسبات».سيروج البعض لبناء الجسور على أنها فتح مبين، ويروج آخرون لاستتباب الأمن على أنه حصيلة حصرية للفصائل المسلحة، متناسين أو متعمدين تجاهل الجراح المفتوحة التي لا تزال تنزف في جسد الوطن.وفيما يُعبد الطريق لتشكيل الحكومة التي تأتي بعد التغيير، سيُسوّق الأمر على أنه إنجاز بحت، رغم أن الحكمة وحدها هي التي منعت الانهيار الكامل، وهي التي تحفظ بعض المكتسبات وسط كل هذا العبث.

إنّ ما يزيد من مأساة المشهد، هو التجاهل الصارخ الذي تمارسه الأحزاب المتحكمة في مقدرات البلد تجاه ما تطالب به المرجعية الرشيدة. فهي لا تكترث لدعوات الإصلاح الحقيقية التي تخرج من هذا المنبر المقدس، ولا تلتفت إلى التحذيرات التي تصبّ في مصلحة الوطن والشعب.لقد أغلقت هذه القوى السياسية، منذ زمن بعيد، الأبواب في وجه أي محاولة لتغيير جذري، ورمت وجهها بعيدًا عن صوت المرجعية، مفضلة التمسك بمصالحها الضيقة على حساب مصلحة الأمة بأكملها.ولعلّ هذا الإغلاق المتعمد للأبواب هو الدليل الأوضح على أن التسييس قد استشرى إلى درجة جعلت من الإصلاح شعارات جوفاء تُلقى في سوق المزايدات، بينما الواقع يُظهر إصرار هذه الأحزاب على فرض أجنداتها الخاصة، مهما كان الثمن.

وهكذا تختزل دعوة الإصلاح في فقرة هزيلة ضمن نشرة حزبية، تُغلق معها الأبواب على آمال ملايين الجرحى، وتُترك الجراح النازفة بلا طبيب، بينما تُترك المرجعية وحيدة في معركتها، تدعو للحكمة والهدى، بينما تضيع الفرص، ويزداد الفساد والاستبداد، في وطنٍ يئن تحت وطأة الانقسام والتعطيل السياسي.إنها صورة قاتمة لحال مجتمعٍ يُقدّم الدين والسياسة على مائدة المصالح، متناسين أن الإصلاح الحقيقي لا يكون إلا بإخلاص النية، وصدق العمل، وامتناع التزييف السياسي عن النصوص التي تُسهم في بناء وطن قوي متماسك.فلنحذر من أن تتحول كلمات الخطبة المباركة إلى أداة صراعات، ووسيلة لتكريس الانقسام، ولنحرص على أن تظل دعوتها خالصة، صادقة، تنير دروبنا نحو غد أفضل، بعيدًا عن الوعود الكاذبة والتصريحات الخادعة.ويبقى الأمل أن تستفيق الضمائر، وتسمع تلك القوى المنادية بالإصلاح نداء المرجعية، فالوطن أغلى من كل المصالح الضيقة، والمرحلة تقتضي الوحدة والعمل الصادق بعيدًا عن محاولات التسييس التي أضرت بشعبنا أكثر مما نتصور.

 

 

 


مشاهدات 53
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/06/30 - 3:30 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 5:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 126 الشهر 126 الكلي 11153738
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير