الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اصدقاء كبار..نفتقدهم علي الشوك


اصدقاء كبار..نفتقدهم علي الشوك

أنموذج العقل العراقي الذي مات في الغربة

قاسم حسين صالح

علي الشوك( 1929-2019) ..كاتب وروائي وأديب وباحث عراقي.ولد في (بغداد – كرادة مريم) ،واكمل المرحلة الثانوية فيها ثم التحق بالجامعة الأمريكية (1947) لدراسة الهندسة المعمارية التي لم يخترها بنفسه، وانتقل الى بريكلي لدراسة الرياضيات ، وفيها بدأ اهتمامه بالموسيقى .عاد الى وطنه العراق في خمسينات القرن الماضي واصبح معروفا في الوسط الثقافي .تعرض للأضطهاد في العهد الملكي واعتقل بعد انقلاب 8 شباط 1963،واضطر الى ان يغادر  العراق  نهاية سبعينيات القرن الماضي إلى هنغاريا،وغادرها الى بريطانيا اوائل التسعينات ليستقر فيها الى يوم رحيله الأبدي.

يتفق كبار المثقفين العراقيين والعرب ( بينهم الكاتب والباحث السوري عبدالرزاق دحنون والكاتب العراقي حمزة مصطفى)  على ان علي الشوك يعدّ من أكابر المثقفين والمفكرين العراقيين في العصر الحديث. فهو بوصف الباحث هادي العلوي (واحد من أملأ مثقفي الوطن العربي) ،لأنه امتلك ثقافة عالية وسلوكا حضاريا متقدما،ولأن مؤلفاته حملت قيمة بحثية متقدمة ومتنوعة. ففي علم الأشتقاق اللغوي ،الّف ثلاثة كتب تعد من اندر ما ألّف في هذا الباب وهي: "ملامح من التلاقح الحضاري بين الشرق والغرب", "جولة في أقاليم اللغة والأسطورة" , "كيمياء الكلمات". وفي علوم الرياضيات والفيزياء ألف: "الدادائية" , "الأطروحة الفنتازية" , "الثورة العلمية الحديثة وما بعدها", "تأملات في الفيزياء الحديثة". وله في الدراسات "الموسيقى الإلكترونية" , "أسرار الموسيقى", "الموسيقى بين الشرق والغرب" . وله في السيرة "ستندال" و كتاب "الكتابة والحياة" . وأتقن علي الشوك اختيار عناوين أجزاء روايته, فجاءت تدل على مزاج متحضر وذوق حسن, فانظر كيف سمى أجزاء روايته: "السراب الأحمر", "مثلث متساوي الساقين", "زنابق بين الألغام", "فتاة من طراز خاص". وكانت له تجربة روائية أولى سماها "الأوبرا والكلب" و من ثمَّ أصدر عدداً من الروايات المهمة: "أحاديث يوم الأحد", "موعد مع الموت", "تمارا", "فرس البراري", "رسائل من امرأة ليست مجهولة", "الفرس الزرقاء"،إضافة إلى عشرات إن لم تكن المئات من الدراسات الأدبية والعلمية المنشورة في المجلات والجرائد العربية.

 وحين بلغ  السبعين من عمره ،كتب رواية فخمة حملت عنواناً عريضاً "سيرة حياة هشام المقدادي" في أربعة أجزاء بلغ عدد أوراقها أكثر من ألف وخمسمائة صفحة.

  ويتساءل الكاتب دحنون: هل أمعن علي الشوك في حلمه وذهب بعيداً بحيث تمنى أن تعرض كتبه في الساحات العامة حيث يلتفت إليها القاصي والداني؟ نعم, وهذا من حقه, ولما لا, فقد أبدع في كل ما كتب. وقد وجه عتاباً إلى المؤسسة الثقافية الرسمية قال فيه: على الصعيد الثقافي، أنا نكرة مقصودة، أو غير مقصودة، بلغة النحو, في كل الدوائر والمؤسسات الثقافية العربية، طبعاً باستثناء المجلات والصحف التي كانت ولا تزال تتعامل معي بترحاب ومودة. فأنا لم أتلق في حياتي الثقافية كلها أي دعوة من مؤسسة ثقافية عربية تقيم معارض دورية للكتب، مع أن عدد الكتب التي صدرت لي حتى الآن بلغ أزيد من عشرين كتاباً. ليس يعني هذا أنني ألهث وراء مثل هذه الدعوات، التي أنا زاهد فيها أصلاً، بيد أن من حقي أن أتساءل: هل أفتقر أنا إلى مواصفات الكاتب الناجح، فتتجاهلني كل معارض الكتب العربية، في الوقت الذي يدعى إلى هذه المعارض من هب ودب؟

ويجيب:

  أنت تصرخ يا أستاذي الفاضل في واد جفَّ فيه الزرع والضرع. وها أنا أخفف عنك بعض كآبتك برواية حادثة تعمر النفس بالأمل, فقد روى ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" عن ابن الأخشاد قوله: ذكر أبو عثمان الجّاحظ في أول كتاب "الحيوان" أسماء كتبه, ليكون ذلك كالفهرست, ومر بي من جملتها كتاب "الفرق بين النبي والمتنبي" وكتاب "دلائل النبوة" فأحببت أن أرى الكتابين, ولم أقدر إلا على واحد منهما, وهو كتاب "دلائل النبوة" فهمَّني ذلك -من الهم- وساءني ألا أظفر بالكتاب الآخر. فلما شخصت من مصر, ودخلت مكة حاجّاً, أقمت منادياً بعرفات ينادي والناس حضور من الآفاق على اختلاف بلدانهم و أوطانهم: رحم الله من دلنا على كتاب "الفرق بين النبي والمتنبي" لأبي عثمان الجّاحظ على أي وجه كان.طاف المنادي في ترابيع عرفات, وعاد بالخيبة, وقد عجب الناس منه ولم يعرفوا هذا الكتاب, ولا اعترفوا به. وإنما أردت بهذا أن أبلغ نفسي عذرها. وعلَّق ياقوت بقوله: وحسبك بها فضيلة لأبي عثمان الجّاحظ أن يكون مثل ابن الأخشاد, صاحب الحكاية, وهو معروف في علوم الحكمة, يستهام بكتب الجاحظ حتى ينادى عليها بعرفات والبيت الحرام. وهذا الكتاب موجود في أيدي الناس اليوم- زمن ياقوت الحموي- لا تكاد تخلو خزانة منه, ولقد رأيت منه نحو مئة نسخة أو أكثر.

من بين اجمل ما كتب الشوك  هو سيرة حياة هشام المقدادي في روايته (مثلث متساوي الساقين) التي هي سيرة حياة مؤلفها علي الشوك.اذ تحكي السيرة حياة إنسان, وهو أوجز وأجمل تعريف للسيرة الذاتية. فشخصية هشام المقدادي قريبة جداً من شخصية علي الشوك.ومن عاش ايام الكاتب الساخر (ابو كاطع) سيندهش حين يكتشف في الصفحات الأخيرة من "مثلث متساوي الساقين" ان أبا ناصر الذي استقبل هشام المقدادي بعد أن طار هذا الأخير من بغداد وحط في براغ عاصمة التشيك هو شمران الياسري!..وأن  أبو ناصر هو ذلك الفلاح الملقب بأبي كاطع, والذي كان يكتب مقالات صحفية في جرائد اليسار العراقي والتي حملت من روحه الساخرة المبدعة صرخة شجاعة ضد الظلم والاستبداد,وله رواية ريفية جميلة في أربعة أجزاء اسمها "رباعية أبو قاطع". ثم ضاق به المقام في العراق فهرب من بطش نظام صدام حسين ومات في بلاد التشيك بحادث سيارة يجلس في مقعدها الخلفي هشام المقدادي الذي هو علي الشوك!.

بقي أن أقول ان ابنة علي الشوك (المهندسة المعمارية زينب) هي زوجة ابني (المهندس بسام) وكلاهما حاليا في كندا، وله ولي منهما حفيدة اسمها (لارسا)..تجيد عزف البيانو. 

 

                                                        *

 

 


مشاهدات 104
أضيف 2025/06/24 - 4:02 PM
آخر تحديث 2025/06/26 - 12:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 35 الشهر 16009 الكلي 11150663
الوقت الآن
الخميس 2025/6/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير