أذن وعين
يحيى السنوار بين الشوك والقرنفل
عبد اللطيف السعدون
لماذا يقاتل الفلسطيني؟
يجيب يحيى السنوار: وماذا لدى الفلسطيني ليخسره؟
هنا تبدو المفارقة واردة فقد عاش الفلسطيني على الجمر منذ أن فتح عيونه على الحياة، وأية حياة؟ لكأنما الأقدار تآمرت عليه منذ لحظة ولادته الأولى، يوثق السنوار في كتابه «الشوك والقرنفل» الذي يقترب في اسلوبه من شكل الرواية سيرته الشخصية بالقدر الذي تكون فيه سيرة أي فلسطيني آخر حيث الأقدار متشابهة، والأحلام واحدة، ووقائع الزمان والمكان هي هي، وان اختلفت في بعض التفصيلات الصغيرة، وقد تمكن السنوار من ان يكتب تلك «الرواية» في فترة سجنه المديد التي قضاها في سجون العدو بعدما ما حكمت عليه محكمة عسكرية اسرائيلية لنشاطاته القيادية في صفوف المقاومة بأربع عقوبات مؤيدة قبل أن يحظى بفرصة اطلاق سراحه في صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة وسلطات العدو عام 2011.
في طفولته كانت كسرة خبز تكفيه في الصباح ثم يذهب ليتعلم القراءة والكتابة في المسجد أو في المدرسة الأولية، لم يكن قد سمع بالشوكولاتة أو تعرف لمذاقات الفاكهة، يتذكر أنه أكل التفاح، وهو طفل، مرتين، وأحب حبات «الحامض حلو» التي كان يشتريها من الدكان القريب، وعندما كبر قليلا رأى أن وجبات طعامه اليومي مع أسرته لا تضم سوى البيصارة والعدس والفول والزيتون، وليس أكثر، وفي ذهابه الى المسجد أو المدرسة كان عليه أن يطوي الدرب مشيا على الأقدام، وفي الليل كان يدرس على السراج، مقابل هذا تعلم من مجتمعه الاصرار على طلب العلم من المدرسة، ومن الحياة أيضا، كما اختبر الصمود في مواجهة التحديات التي لاحقت أي فلسطيني آخر، وهو لم يزل فتيا.
اكتشف مرة أن أولاد الحارة الذين يلعب معهم صنفان، عرب ويهود، وعرف فيما بعد ان هناك يهودا قدموا من بلدان أخرى، واستوطنوا بلده، وسيطروا على مقدراته، وعندما شب عن الطوق عرف معنى أن يحتل الأغراب أرضه، فيما هو واخوانه وأصدقاؤه يعانون من الفقر والمرض وانعدام الرعاية، وأدرك أن المعادلة غير متكافئة، وأن ذلك كله يفرض واجبا على الرجال، هو أن يقاوموا، أن يحملوا السلاح كي يطردوا أولئك الاغراب، ويعيشوا في بلدهم آمنين، لكن الأقدار لا تجري بسلاسة، وان عليه، كما على رفاقه، أن يصنعوا أقدارهم بأنفسهم، وقد سمع في أحاديث رجال عائلته «حياة دقيقة واحدة بعزة وكرامة، ولا الف سنة تحت بساطير جنود الاحتلال»، و»الكلام المزبوط،» هو أن «ما بيحرث الأرض غير عجولها».
استقرت هذه المقولات في قلب السنوار وفي عقله منذ نشأته الأولية، وهو يرى بأم عينيه كيف يضرب جنود الاحتلال أبناء قومه من الرجال العزل، ويطلقون عليهم النار على نحو عشوائي، فيقتلون منهم، ويصيبون، ويهدمون بيوتهم بالجرافات، ويحيلونها ترابا، قد خطط في ذهنه ليكون، في أيامه القادمات واحدا من أولئك الرجال، مثل أبيه أو عمه، أو جيران أسرته الذين انتظموا في خلايا صغيرة يقومون برصد المحتلين، وينشطون في مواجهتهم بالحديد والنار، ولم لا؟ وقد تعرضوا لظلم تاريخي لم يتعرض لمثله شعب من شعوب الأرض، وتحملوا من المعاناة والأوجاع ما لا يصبر عليه بشر، ثم ماذا لديهم ليخسروه؟
مر السنوار بمحطات عديدة، واجتاز اختبارات صعبة فقد ساهم في النشاطات الطلابية في مدرسته الثانوية بغزة، وكذا في الجامعة الاسلامية التي تخرج منها، وانتظم في صفوف العمل الفدائي، وعمل مع التيارات الاسلامية التي شكلت محور فعاليات المقاومة في فترة من الفترات، وتولى دورا قياديا في حركة حماس، وله آراؤه ووجهات نظره الخاصة في مختلف التوجهات الفكرية والعملية، ولم يكن راضيا عن اتفاقيات أوسلو، ومعاهدة كامب ديفيد، ومسيرة التطبيع التي اقترفتها دول عربية، وكان في كل ما يطرحه يعطي الألوية لفلسطين، القضية، والماضي، والحاضر، والمستقبل.
وبعد إطلاق عملية «طوفان الأقصى» أصبح السنوار مطلوبا من قبل سلطات العدو، ووصفه ريتشارد هيجنت الناطق باسم الجيش الاسرائيلي بأنه « وجه الشر على اسرائيل»، وقد عبر أكثر من مسؤول اسرائيلي عن خيبته لعدم استطاعة السلطات القبض عليه واعتقاله رغم أنها فتشت مدينة غزة شبرا شبرا، واقتحمت انفاقها بحثا عنه، وهي تعرف جيدا أنه لم يغادر غزة، وظل يشرف مع رفاقه على نشاطات المقاومة وفعالياتها.
وهكذا وضع السنوار روحه على راحة يده، كما أي فلسطيني آخر، حتى استشهد راضيا مرضيا، تاركا رفاقه ليكملوا المشوار من بعده.