الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رفقًا بعلماء العراق.. تأملات في إستمارة التقييم الجديدة للتدريسيين الجامعيين

بواسطة azzaman

رفقًا بعلماء العراق.. تأملات في إستمارة التقييم الجديدة للتدريسيين الجامعيين

شكرية كوكز السراج

 

ليس من السهل أن تختزل سنوات من العطاء، وذكريات من الجهد، وساعات من السهر بين قاعات المحاضرات والمختبرات وقاعات الاجتماعات، في خانة ضيقة، في استمارة تضع فوق كاهل الأستاذ الجامعي شرطا قد لا يتناسب مع واقع البحث الأكاديمي، ولا مع نبض الحياة الجامعية اليومية، هذا ما شعر به كثير من أساتذة العراق، حين وقعت أعينهم على استمارة تقييم الأداء الجديدة، التي جعلت من النشر في مجلات Scopus المعيار الأكبر – بل يكاد يكون الوحيد – في تحديد جودة الأستاذ وتقديره.

ثمانون بالمئة من التقييم عُلقت على شرط النشر في مجلات محكمة ومصنفة، والنشر تحديدًا، لا القبول، ولا التحكيم، ولا حتى اكتمال مشروع البحث. وكأن الزمن الأكاديمي صار يُقاس بالتواريخ التي تحددها المجلات، لا بالإرادة ولا بالكدّ ولا بالنية العلمية الصافية. فمن يكتب، وينقّح، ويراجع، ويراسل، ثم ينتظر أشهرًا وربما عامًا لينشر، لا يُعد ناجحا في التقييم… أما من حالفه الحظ أن ينشر في موعده، فقد تجاوز المعيار. إن الباحث الحقيقي لا يزرع في موسم ويحصد في ذات العام بالضرورة، البحث العلمي شجرة بطيئة النمو، متجذرة في الفكر، تحتاج إلى تأمل، إلى صبر، إلى قراءة مستفيضة، إلى تحليل، إلى مراجعة، ثم إلى مجلات لا ترحم الوقت، ولا تُبالي بالمواعيد المحلية ولا التقويمات الجامعية... فكيف لنا أن نربط التقييم بمعيار لا يخضع لإرادة الأستاذ، بل لإرادة المجلة، ولطبيعة التخصص، ولمدة التحكيم، ولمسار النشر نفسه؟

شرف التعليم

ثم إن في جامعاتنا من يجمعون بين شرف التعليم وعبء الإدارة، بين كرسي المحاضرة ومهام العمادة أو رئاسة القسم، هؤلاء يُطلب منهم ذات المعيار، دون أن تُخصّص لهم استمارة تعترف بثقل مسؤولياتهم وتعدّد مهامهم... وهنا، يتجلى الظلم حين يُقارن من يقضي يومه في إدارة الملفات وتنظيم الشؤون، بمن تفرغ بالكامل للبحث والنشر.

لا نطلب استثناءات، ولا نعترض على التطوير، بل نطالب بالإنصاف، نطالب أن يُدرك الفرق بين القصد والنتيجة، بين من سعى ولم تُمهله الظروف الزمنية للنشر، وبين من لم يسعَ أصلًا، إن قبول النشر، أو وصول البحث إلى مرحلة المراجعة النهائية، هو بذاته إنجاز يجب أن يُحسب، لا أن يُهمل كأنه لم يكن.

ثم إن الكثير من أساتذتنا يسافرون، يحضرون المؤتمرات الدولية، يتحدثون باسم جامعاتهم، يرفعون اسم العراق في محافل علمية عالمية، دون أن تكلف الجامعة نفسها بدفع ثمن تذكرة، أو توفير دعم بسيط، بل يُقال لهم: المشاركة على نفقتكم الخاصة، فأين العدالة في ذلك؟ وأين التقدير للرسالة العلمية الحقيقية؟

يا معالي الوزير

نحن لا نكتب هذه الكلمات من باب الشكوى، بل من باب الأمل.. الأمل بأن يعاد النظر في هذه الآلية، وأن يتم تعديل استمارة التقييم بما يضمن العدل والاتزان، أن تُخصّص استمارة للتدريسي الإداري، وأن يُعترف بجهد الباحث في مراحل النشر كافة، لا فقط في نهايته.

صورة كاملة

إن من يقيم على بحث لم يُنشر بعد، رغم أنه قد كتبه وأنجزه وأرسله، هو في الحقيقة ضحية لمعيار لا ينظر إلى الصورة الكاملة، وهذا لا يليق بأساتذة العراق، ولا يتماشى مع طموحنا في بناء جامعة عصرية، قائمة على الرصانة والعدل معًا.

رفقًا بعلمائنا… فإنهم لا يقفون في طابور التقييم وحسب، بل يصنعون العلم، ويحملون مشاعل النور، وسط عتمة الحروب الفكرية، والتحديات المؤسسية، وضغط الحياة.

 

 


مشاهدات 82
الكاتب شكرية كوكز السراج
أضيف 2025/05/24 - 12:42 AM
آخر تحديث 2025/05/25 - 2:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1028 الشهر 32816 الكلي 11026820
الوقت الآن
الأحد 2025/5/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير