الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفنون الشعبية ودورها في تكوين وبناء الهوية الوطنية

بواسطة azzaman

الفنون الشعبية ودورها في تكوين وبناء الهوية الوطنية

عصام البرّام

 

تُعد الفنون الشعبية من أهم العناصر التي تُسهم في تشكيل الهُوية الوطنية لدى الشعوب، حيث تعكس القيم والتقاليد والعادات التي تميّز كل مجتمع عن غيره. فالفنون الشعبية، بما تشمل من موسيقى ورقص وحِرف يدوية وأدب شفاهي، ليست مجرد مظاهر جمالية، بل هي سجلّ ثقافي يحمل في طياته التأريخ والهُوية والتجربة المشتركة للأجيال. الى جانب دورها المحلي، تعد أداة مهمة في تعريف العالم بالهُوية الوطنية للشعوب. فالمهرجانات الدولية، والمعارض الثقافية، والأفلام الوثائقية، تساهم في تقديم صورة مميزة عن ثقافة الدولة، مما يعزز مكانتها عالمياً.

إن الفنون الشعبية بمختلف أشكالها، تعد مكوناً أساسياً في نسيج الُهُوية الوطنية، حيث تعكس العادات والتقاليد والتراث الثقافي الذي يُميز كل شعب عن غيره. فهي ليست مجرد تعبيرات فنية، بل أدوات قوية لنقل القيم والثقافة من جيل الى آخر، وترسيخ الشعور بالإنتماء والوحدة الوطنية. كونها تعمل على تعزيز مشاعرالفخر والإنتماء لدى الأفراد، إذ تعكس القصص والتجارب المشتركة التي توحد أفراد المجتمع الواحد. فمثلاً، الأغاني التراثية تروي أحداثاً تأريخية وتجسد النضال الوطني والحماسة، مما يربط الأجيال الحديثة بتأريخها ويجعلها أكثر وعياً بجذورها الثقافية. كما هي تُعتبروسيلة حيّة لنقل المعرفة والقيم الثقافية عبر الزمن.

فالروايات الشفاهية، والأمثال الشعبية، والأغاني التقليدية، تحمل في طياتها حِكّماً وتجارب إنسانية تعكس روح المجتمع وتجاربه. كما أن الحِرف اليدوية، والفنون البصرية، تُمثل سجّلاً حقيقياً لأساليب الحياة والمهارات التي تطورت على مرّ العصور.

ففي ظل العولمة، بات من السهل أن تتأثر الثقافات المحلية بالأنماط العالمية، مما قد يؤدي الى إندثار بعض الفنون التقليدية. لذا، تلعب الفنون الشعبية دوراً حاسماً في الحفاظ على التقاليد الثقافية من خلال إعادة إحيائها ودمجها في السياقات الحديثة، مثل إستخدامها في الموسيقى المعاصرة، أو توظيفها في الفنون الرقمية ووسائل الإعلام الجديدة.

وبحكم التغيرات السريعة في عصر العولمة، تزداد أهمية الفنون الشعبية في الحفاظ على الهُوية الوطنية، إذ تساعد على مواجهة التحديات التي تُهدد الذاكرة الجمعية للشعوب، مثل التأثيرات الثقافية الخارجية والإندماج في نماذج ثقافية عالمية قد تؤدي الى تآكل الهُويات المحلية. فالفنون الشعبية، تساعد في تعزيز الشعور بالإنتماء الى الوطن من خلال المحافظة على التراث الثقافي الذي يجمع أبناء المجتمع تحت هُوية واحدة.

كما تلعب دوراً كبيراً في نقل الموروث الثقافي من جيل الى آخر، مما يضمن إستمرار القيم والتقاليد عبّر الزمن. فمن خلال مشاركة الفنون الشعبية في المناسبات الوطنية والاحتفالات، يتم تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، بغض النظر عن الفروقات الاجتماعية أو الجغرافية أو القومية أو العرقية أو الدينية. فهية وسيلة فعّالة لتعريف العالم بالثقافة الوطنية، حيث تُستخدم في المهرجانات والعروض الدولية لإبراز الطابع الفريد لكل مجتمع. فضلاُ عن ذلك، فالفنون الشعبية تُسهم في إثراء الفنون المعاصرة، حيث يعتمد الفنانون على العناصرالتقليدية في إبداع أشكال من الفنون تُعبر عن الُهُوية الوطنية بروح عصرية.

*أشكال الفنون الشعبية وأثرها على الهُوية الوطنية:

تعكس الموسيقى الشعبية والموشحات والأغاني التقليدية روح المجتمع وتُعبّر عن مشاعره وتجاربه. فمن أغاني العمل الى الأغاني الوطنية، تحمل الكلمات والألحان معاني عميقة تروي حكايات الأجداد وتجسد الأحداث التأريخية. كذلك ترتبط الرقصات الشعبية بالمناسبات الإجتماعية والدينية، مثل الدبكة في بلاد الشام، ورقصة (الجوبي) في جنوب وغرب العراق ورقصات الكرد في كردستان العراق، والعراضة في دول الخليج العربي، والفلامنكو في بلاد الإسبان، ورقصة السامبا في البرازيل. وهي تعبيرات جسدية ترمز الى الوحدة والتعاون، كما إنها وسيلة لنقل القيم الثقافية للأجيال اللاحقة.

كما تُعد الحِرف اليدوية والفنون التقليدية من الصناعات التقليدية، مثل النسيج وصناعة الفخار والخزف والنحت، جزءاً مهماً من الهُوية الوطنية، حيث تحمل هذه الأعمال الفنية أنماطاً وزخارف تعكس خصائص كل منطقة. وفي عصر التكنولوجيا، يتم إعادة إحياء هذه الحِرف من خلال دمجها في التصاميم الحديثة، مما يساعدعلى إستمرارها.

ويشكل الأدب الشفاهي، كالحكايات الشعبية والأساطير، سجلاً ثقافياً هاماً يحمل الحكمة والقيم المجتمعية. وتُعد هذه الحكايات مصدر إلهام للأدب المكتوب والمسرح والسينما، حيث يتم إعادة تقديمها بطرق حديثة تلائم العصرالحالي. ومن الجدير بالذكر، فأن للأزياء التقليدية لها أشكالها وألوانها وعمق دلالتها، وتعكس عمق تأريخ البلدان مما كانت ترتبط به من أزياء،  التي تشير الى  هُوية كل مجتمع، وتُعبر عن بيئته وثقافته. وقد أصبحت اليوم مصدر إلهام لمصممي الأزياء، حيث يتم دمجها في الموضة الحديثة للحفاظ على التراث وإبرازه عالمياً.

*الفنون الشعبية في العصر الحديث: التحديات والفرص

مع تطور التكنولوجيا، يواجه التراث الشعبي تحديات كبيرة مثل العزوف عن الفنون التقليدية، وتأثير الثقافات الأخرى، والإندثار التدريجي لبعض الممارسات. ومع ذلك، توفر التكنولوجيا فرصاً جديدة للحفاظ على هذا التراث ونشره عالمياً، وذلك من خلال الرقمنة والتوثيق الإلكتروني، حيث يمكن توثيق الأغاني والحكايات والرقصات الشعبية عبر المنصات الرقمية، مما يضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة. كما يمكن لوسائل التواصل الإجتماعي أن تأخذ دورها، حيث أصبحت منصات مثل اليوتيوب والإنستغرام والتيك توك، وسائل فعالة لنشر الفنون الشعبية وتعريف الشباب بها بأسلوب حديث. بالإضافة الى ذلك، بأمكان الدمج مع الفنون الحديثة، حيث يتم دمج العناصر التراثية مع الموسيقى الحديثة، والفنون الرقمية، والأزياء العصرية، مما يسهم في إبقاء الفنون الشعبية حيّة وقابلة للتطور.

تُعد الفنون الشعبية عنصراً أساسياً في بناء الهُوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي للشعوب. فهي ليست مجرد مظاهر إحتفالية، بل لغة حيّة تعكس القيم والمعتقدات والتأريخ المشترك. وفي ظلّ تحديات العصر الحديث، تظّل مسؤولية الحفاظ على هذا التراث مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات الثقافية والحكومات. ومن خلال دمج الفنون الشعبية في مجالات جديدة، مثل التكنولوجيا والإعلام، يمكن إستمرار هذا الإرث الثقافي للأجيال القادمة، وتعزيز حضور الهُوية الوطنية في المشهد العالمي.

الفنون الشعبية ليست مجرد جزء من الماضي، بل هي أساس متين يساعد في تشكيل المستقبل الثقافي للأمم. من خلال الحفاظ عليها وتعزيزها، تحافظ الشعوب على هُويتها الوطنية وتساهم في تقوية أواصر الوحدة بين أفرادها، مما يجعلها ركيزة أساسية في بناء المجتمعات القوية والمستدامة.

 


مشاهدات 60
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2025/05/19 - 3:27 PM
آخر تحديث 2025/05/20 - 6:58 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 362 الشهر 25177 الكلي 11019181
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير