حينما تعجز البنادق عن صناعة السلام
أدهم إبراهيم
يشهد الصراع اليمني تحولات جذرية ، بعدما كان لعقود ساحة لتنافسات إقليمية ودولية عانى منها الشعب كثيرا. فالحرب في اليمن ليست حربًا اهلية بين اليمنيين، بقدر ماهي حرب اقليمية بالوكالة ، وان استمرارها يزيد من معاناة الشعب اليمني ، ويعقد الوضع الجيوسياسي في المنطقة . ومع تقليص إيران دعمها العسكري والسياسي لجماعة الحوثيين، بدأت ملامح تغيير حقيقي تلوح في الأفق. إلا أن هذا التغير لا يعني نهاية الصراع، الذي ما يزال متشابكًا مع مصالح وتوترات إقليمية ودولية معقدة. خصوصا بعد تدخل الولايات المتحدة بشن غارات جوية مكثفة للضغط على الحوثيين واجبارهم على وقف هجماتهم في البحر الأحمر ، قد ترافقها مستقبلا عمليات برية من قوات امريكية او فصائل مسلحة محلية لإضعاف الجماعة المتمردة . مما يجر ذلك الى حرب اهلية جديدة في وقت يكافح الشعب لمداواة جراحه بعد عقود من العنف . ولذلك ، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الحل العسكري لم يعد خيارًا قابلاً للاستمرار، وأن الحوار هو الطريق الوحيد نحو إنهاء معاناة اليمنيين. لطالما كان تاريخ اليمن الحديث مليئًا بالصراعات. فمنذ سقوط النظام الملكي على يد الرئيس عبد الله السلال في ثورة سبتمبر 1962، دخلت البلاد في دوامة من الحروب والانقلابات. استمرت الحرب الأهلية بين أنصار الجمهورية والمملكة المتوكلية حتى عام 1970، بدعم مباشر من مصر في ذلك الحين. ومنذ ذلك التاريخ، لم تهدأ البلاد، لتتحول إلى ساحة صراعات متكررة، غالبًا ما يدفع المدنيون الأبرياء ثمنها. في الجنوب، اندلعت ثورة أكتوبر عام 1967 ضد الاستعمار البريطاني، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع دموي بين الرفاق أنفسهم، مما أدى إلى نفي الرئيس علي ناصر محمد. أما بعد تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990، فلم يتحقق الاستقرار المنشود، بل دخل اليمن في حرب أهلية جديدة، خاصة بعد أن تولى علي عبد الله صالح رئاسة البلاد. وفي ظل أجواء الانقسامات والتوترات، داهم الحوثيون من صعدة شمالاً إلى صنعاء في أغسطس 2014، ليسيطروا على الحكم، وهو ما أدى إلى تفكك الدولة. واستمرت الحرب بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين حتى إعلان هدنة في أبريل 2022 برعاية الأمم المتحدة، لكنها لم تنجح في تحقيق سلام حقيقي بسبب تعنت الأطراف المتصارعة.
اليوم، يشكل تخلي طهران عن الحوثيين فرصة تاريخية لوقف نزيف الدم، وبداية لمسار تفاوضي شامل ينقذ ما تبقى من اليمن. فقد أثبتت السنوات الماضية أن الحرب لم تنتج سوى الدمار والتشريد والمجاعة، وأضعفت البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. لكن السلام لن يُبنى فقط على انسحاب الأطراف الداعمة، بل على إرادة حقيقية من داخل اليمن. فمع انشغال إيران بتأمين مصالحها عبر التفاوض النووي، وإعادة السعودية والإمارات تقييم أدوارهما في الملف اليمني، يبرز أمل في تسوية سياسية ممكنة، على أن يكون مفتاحها بيد اليمنيين أنفسهم. إن إنهاء الحرب لا يضمن فقط إعادة بناء الدولة، بل يتيح أيضًا صياغة عقد اجتماعي جديد يؤسس لسلام عادل وشامل، ويبعث برسالة أن الحوار ليس ممكنًا فحسب، بل ضرورة ملحة. وعلى القوى اليمنية مراجعة سياساتها، وتجاوز الانقسامات المناطقية والمذهبية التي مزقت البلاد، فالحرب استنزفت الجميع، ولن تكون الدول الإقليمية، مهما بدت حليفة، قادرة على ضمان مستقبل اليمن، ما دامت تسعى وراء مصالحها أولاً. لقد آن الأوان لأن يدرك اليمنيون أن مستقبلهم يصنع في الداخل، لا في عواصم القرار الإقليمي والدولي.