الشبوط الناحر
مارد عبد الحسن الحسون
تستدل الامثال الشعبية معانيها من الحياة اليومية والدلالات الميدانية التي تتوفر من خلال المعاينة وتوظف ذلك في امثلة حياتية يومية ، وقد اشرت االى واحد من تلك الامثال ( گطان ميت) في مقالة سابقة لي نشرتها صحيفة الزمان في صفحتها الثانية ضمن عددها الصادر بتاريخ 14-12-2024 . الواقع ان المقال حظي بأهتمام مناسب من اصدقاء وقراء ونال الاعجاب الامر الذي حفزني ان اكتب عن مثل عراقي من الموروث التاريخي الذي مازال يستخدم يتعلق بدالة الاسماك أيضاً وهومتداول كثيرا ايضاً ( شبوط ناحر ) .الشبوط من الاسماك الشائعة يعيش في المياه العذبة والمالحة على حد سواء وينتشر في اسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية ، ويمتاز باللحم الطري وهو من الاسماك التي تحتوي على نسبة من الزيبق ولذلك ينبغي ان يتم تناوله بأعتدال وليس بالافراط، وتتميز مياه دجلة والفرات بأنهما يمثلان بيئة حاضنة له ،فلا تخلو منطقة مائية عراقية منه .يتميز الشبوط بقدرته على الحركة السريعة والقدرة على الافلات من شباك الصيد ولهذا يصفه الصيادون (سمچة مسودنه) نتيجة المقاومة الشديدة التي يبديها اثناء مساعيهم لصيده ، بل ويصر غريزياً ان يتواجد دائما في مواجهة المجرى المائي الشديد ويعرض وضعه الى المخاطرة وبيدو ان الصيادين على معرفة دقيقة ولذلك أستحق ان يشار اليه ( شبوط ناحر) .الناحر احد المشتقات اللغوية للكلمة المصدر، الانتحار والفعل أنتحر ، يضرب المثل على الشخص الذي لا يبالي بالنتائج حين يتحدى اخرين ويصر على ما يؤمن به ويدافع عنه ولهذا يقال عليه شبوط ناحر لكن في الحقيقة بعض الشبابيط البشرية يعرضون انفسهم للمخاطرة عناداً ليس الا فيقعون ضحايا تهورهم وغرورهم حينها يكون عملهم مجرد نكدية وفخر اجوف وادعاء القوة الخارقة القادرة على مواجهة التحديات الامر الذي يؤدي بهم الامر الى السقوط في المحظور ،وهناك حتما فرق جوهري بين شبوط بشري صاحب طموح مشروع يتحدى ولكن بروية ، وشبوط اخر (علي وعلى أعدائي ) . ان تطبيقات هذا المثل ا عشائريا عديدة جدا فالمغالاة والتهديدات والتلويح بالويل والثبور ليس سوى اعمال ،(شبابيط) بشرية تتورط في اخطاء يحاسب عليها القانون ،كما إن المحتوى الهابط الذي يروج له البعض ماهو الا أنقياد اعمى لأرتكاب الاخطاء وكثيرا ما يعلنون ندمهم بعد ذلك . إن البعض جعل المضايف والدواوين مسارح للشبابيط الناحرة ، تصول وتجول وتتلاعب بالمقدرات ، واذا كان مصير الشبوط الناحر في النهاية عند الصيادين فأن مصير الشبوط البشري لابد ان يطاله القانون مهما كان حاذقا ويزعم الذكاء . إن العاقل صاحب الحكمة هو الوريث الشرعي للمواقف التي ينبغي ان تسود ولا يكون شبوط ناحر في كل الاحوال ويتخذ هذا المعنى ضرورته القصوى في الحياة اليومية والا تكثر الشبابيط الناحرة وهذا وباء على البلاد …إن العراق بحاجة ماسة جدا الان الى الحكمة والروية والاستدلال بالمعاني وان تكون التصرفات حذرة وان تؤخذ الامور پاعتدال وليس بنزعة الانتحار . وفي كل الأحوال ، تظل مخافة الله رأس الحكمة .