الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تأملات دستورية في قانون الإنتخابات

بواسطة azzaman

تأملات دستورية في قانون الإنتخابات

احمد طلال البدري

 

سنحاول افي هذه المقالة الموجزة الاشارة الى اهم مواضع النقص والقصور في التنظيم التشريعي لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020 الذي الغي بالقانون رقم (4) لسنة 2023 ، دون ان يتدارك المشرع مواطن القصور التشريعي في القانون الجديد الذي ما انفك هو الاخر يعاني منها ، هذا ما سنتاوله في اربعة محاور وهي ( مقاعد مجلس النواب  ، النظام الانتخابي ، وسجل الناخبين ، والدعاية الانتخابية ) وعلى النحو الاتي :

اولاً : عدد مقاعد مجلس النواب العراقي : نصت المادة (13) من القانون اعلاه على ان مجلس النواب العراقي يتكون من (329) مقعداً يتم توزيع (320) مقعداً على المحافظات وفقاً لحدودها الادارية لحين اجراء التعداد العام وتوزع (9) مقاعد ، ككوتا المكونات والتي تشمل (5) مقعد للمكون المسيحي في بغداد ونينوى وكركوك ودهوك واربيل  و(1) للمكون الايزيدي في محافظة نينوى ، و(1) للمكون الصابئي في محافظة نينوى ، و(1) للمكون الشبكي في محافظة نينوى ايضاً ، و(1) للكرد الفيلية في محافظة واسط .

1.ان نص المادة اعلاه يخالف احكام المادة (49/ اولاً) من دستور 2005 التي حددت اعضاء مجلس النواب على اساس التمثيل السكاني للشعب العراقي وبنسبة (1/100,000) واحد الى مائة الف ، اذا ان تحديد عدد اعضاء مجلس النواب بـ (329) نائب يخل بالتمثيل السكاني وخصوصاً بعد اجراء التعداد السكاني عام 2024 وتحديد نسبة سكان العراق بما يزيد عن (60) مليون نسمة ، ان تحديد عدد اعضاء المجالس النيابية بنص الدستور هو امر محمود من الناحية التشريعية بما يضمن عدم زيادة اعضاء هذه المجالس بنسب طردية مع تزايد اعداد السكان وما يترتب على الزيادة من اعباء مالية على المال بسبب الرواتب التي يتقاضاها البرلمانيون والامتيازات الممنوحة لهم ، لكن مع وجود هذا النص الدستوري  لايمكن لنص تشريعي ان يحدده .

اعضاء مجلس

2.نلاحظ ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 كفل في المادة (49/رابعاً) منه ما يعرف بـ (كوتا النساء ) التي نصت على (يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب ) ، الا ان الدستور لم يتضمن نصاً صريحاً يحدد عدد المقاعد لما يعرف بـ ( كوتا الاقليات ) التي وردت في المادة (13) من قانون مجلس النواب ، وعلل البعض ان المشرع قد استند للمادة (125) من الدستور لتقرير كوتا الاقليات والتي نصت على ان ( يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والاشوريين وسائر المكونات الاخرى وينظم ذلك بقانون ) ، ومؤكد ان الانتخاب والترشيح من الحقوق السياسية ،  الا انه يلاحظ على النص المذكور انه يشير الى القوميات وليس للاديان في حين ان كوتا الاقليات التي وردت في القانون منحت مرة على اساس الديانة كالمسيحيين والصابئة المندائيين ومرة على اساس القومية كالكرد الفيليين ، لذا نرى ان هذا النص غير موفق من حيث الصياغة التشريعية ، كما انه يشكل اخلالاً بمبدأ المساواة الذ ينصت عليه المادة (14) من الدستور ، ذلك ان الدستور قد كفل للجميع الحق بالانتخاب والترشيح هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان كوتا الاقليات من شأنها تتعارض مع مبدأ التمثيل على اساس نسبة السكان ، ولاسيما ان الفقرة (ثانياً) من المادة(13) سابقة الذكر قد اعتبرت هذا الكوتا منفصله عن الاستحقاق الانتخابي في حالة مشاركه المواطنين من الاقليات في القوائم الوطنية الاخرى ، حيث نصت هذه الفقرة على ان ( تمنح المكونات الاتية حصة (كوتا) تحتسب من المقاعد المخصصة على ان لايؤثر ذلك على نسبتهم في حالة مشاركتهم في القوائم الوطنية وتكون على النحو الاتي .....) ، ورغم ان المحكمة الاتحادية العليا قد اشارت في قرارها بالعدد (11/ اتحادية/2010) الى كوتا الاقليات ، الان القرار المذكور لايمكنه خلق نص دستوري جديد يخل بالمساواة المفترضة التي كفلها الدستور، بمعنى اخر ان تحقيق العدالة للفئات المظلومة او المهمشة او الاقليات لايمكن ان يخل بالدستورذاته الذي تكفل برفع هذا الحيف عنهم ، وهنا تكمن البراعة والحكمة في وضع النصوص الدستورية .

ثانياً : النظام الانتخابي : لم يعرف قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (9) لسنة 2020  النظام  الانتخابي الذي اعتنقه ولا القانون الذي الغاه سواء على مستوى الانتخابات التشريعية ام عيى مستوى الانتخابات المحلية ، ووفقا للتعريفات الفقهية السائدة فأنه يمثل الاليات والوسائل التي اعتمدها المشرع لترجمة اصوات الناخبين الى اسهم تمثل الحد الادنى المطلوب للحصول على مقعد نيابي لمن يمثلهم في البرلمان توزع بين المتنافسين ، وفي الغالب يجب ان يتضمن النظام الانتخابي تفاصيل عن الدوائر الانتخابية ان كانت كبيرة ام صغيرة ، ام نظام الدائرة الواحدة او تعدد الدوائر ، وكيفية تسجيل الناخبين ، واسلوب الترشيح ومعادلات تتعلق باحتساب الاصوات وتحديد الفائزين كنظام سانت ليغو وطريقه هونت  ... الخ  ،   وبالرجوع للمادة (15) من قانون مجلس النواب رقم (9) لسنة 2020 نجد انه اعتمد نظام تعدد الدوائر في المحافظة الواحدة ، ويكون الترشيح فردياً ضمن الدائرة الواحدة والى جانبه اجاز الترشيح بالقائمة الفردية والقائمة المفتوحة في الدائرة الانتخابية الواحدة ، والدائرة الواحدة كما عرفتها المادة (1) من القانون هي ( كل منطقة محددة خصص لها عدد من المقاعد وفقاً لاحكام هذا القانون) ، ويمكن ان نسجل بعض الملاحظات على النظام الانتخابي :

1.ان نظام الدوائر المتعددة ضمن المحافظة الواحدة وان كان يحقق قدرا من العدالة للمكونات المتعددة بالمشاركة والتمثيل ، الا ان الجانب السلبي يتمثل باحلال الولاء العرقي والديني والمناطقي محل الاعتبارات الموضوعية التي تبرر انتخاب المرشح ليكون نائبا في مجلس النواب ، بعباره اخرى ان التقسيم عادل في ترسيخ المحاصصة في الترشيح والانتخاب ، ووفقاً لهذا المفهوم فانه يخرج الانتخابات من دائرة الديمقراطية بمفهومها العام .

2. اعتنق القانون مبدأ الفائز الاول لمن يحصل على اعلى الاصوات وهنا يثور التساؤل عن مصير الاصوات التي منحت للمرشحين الذين لم يحصلوا على اعلى الاصوات ؟ ، حيث اهدر القانون بقية الاصوات التي منحت للمرشح الذي لم يحصل على اعلى الاصوات ، وهنا يمكن ان نستنج ان الفائز الاول هو يمثل من ينتخبه فقط لانه لم يحصل على كل الاصوات وانما على اعلى الاصوات ، وهنا تبرز فاعلية القواعد الحزبية للاحزاب الكبيرة في تحقيق اعلى الاصوات على حساب الاصوات الصحيحة المهدورة مما يفرغ الانتخابات من مضمونها ويخل بالعدالة الانتخابية .

داوئر انتخابية

3.اعتماد القانون على نظام القرعة ، فاذا حصل تساوي في عدد الاصوات الصحيحة يتم اللجوء الى القرعه لتحديد اي من الداوئر الانتخابية التي يجب اضافة مقعد اليها ، ومعيار القرعة معيار غيرقانوني وغير منضبط وقابل للتلاعب به ، اذا يجب تن تخضع عملية اضافة المقعد لاعتبارات موضوعية وحسابية قابلة للتحديد بشكل موضوعي ودقيق بما يحقق العدالة الانتخابية .

ثالثاً: سجل الناخبين : نص القانون في المواد (17 و18 و19 و20و21) على الاحكام الخاصة بسجل الناخبين وجعل اختصاص تسجيل الناخبين وتحديد من يتوفر فيهم شروط الناخب وتحديث سجل الناخب ومعالجة الخطأ في البيانات وطريقه الاعتراض من اختصاص المفوضية العليا للانتخابات ، ويمكن ان نسجل الملاحظات الاتية :

1.نصت المادة (18) من القانون رقم (9) لسنة 2020 الملغى على قيام المفوضية العليا للانتخابات في اعداد سجل الناخبين وتعتمد في ذلك على احدث قاعدة بيانات مستمدة من بيانات البطاقة التموينية ولحين اجراء التعداد العام ، ورغم ان بيانات البطاقة التموينية غير دقيقه بسبب حذف بعض الاشخاص من هذه القاعدة كونهم يتقاضون رواتب بحد معين ، والنازحين .

كما انها لاتشمل من هم خارج العراق ، الا ان هذا النص اصبح غير قابل للتطبيق بعد اجراء التعداد السكاني حيث يجب ان يحدث سجل الناخبين وفق البيانات المتحصلة من هذا التعداد مما يقتض تعديل هذا النص وبيان اليه تحديث سجل الناخبين بالاعتماد على بيانات التعداد السكاني لعام 2024 .

2.حددت المادة (16) من القانون رقم (4) لسنة 2023 باعتماد احصائيات وزارة التجارة ووزارة الهجرة والمهجرين بالنسبة لتصويت النازحين ولمن نزح عن مكان اقامته لمكان اخر بعد تاريخ 9/12/2013  ، واستبعد النص الاشارة الى بيانات وزارة التخطيط التي يخص التعداد السكاني الذي جرى عام 2024.

3.لم يحدد القانون الجهة المختصة بالطعن القضائي وفق القانون على قرار مكتب المفوضية الوطني بخصوص الاعتراض على البيانات الانتخابية ، ولم يحدد المدة لغرض الاعتراض على قرار مكتب المفوضية امام مجلس المفوضين ، كما ان قرار مجلس المفوضين للبت بهذا الاعتراض لم يقيد بميعاد زمني للبت فيه ، تفتح بعده باب الطعن وفق للقانون ، كما لم يحدد القانون ميعاد للطعن القضائي والجهة القضائية المختصة بذلك .

رابعاً : الدعاية الانتخابية : كفل القانون الدعاية الانتخابية الحرة واعفاها من الرسوم بشكل مطلق ومنع استغلال االابنية العامة واماكن العبادة واستخدام الشعارات والرسوم الرسمية في اي نشاط انتخابي للكيانات السياسية المشتركة بالانتخابات ، كما منع استخدام الاكراه والضغط المادي والمعنوي في الدعاية الانتخابية او استغلال نفوذهم الوظيفي او موارد الدولة للتاثير على الناخبين ، ويمكن ان نسجل الملاحظات الاتية :

1.لم يحدد المشرع مفهوم الصمت الانتخابي ، وهو الميعاد الزمني الذي تتوقف فيه الكيانات السياسية  المشاركة بالانتخابات عن نشاطها الانتخابي ، ولم يحدد عقوبة في حالة خرق الصمت الانتخابي .

2.لم يحدد المشرع المصادر المشروعة لتمويل الحملات الانتخابية والسقوف العليا للانفاق، ولم يحدد مدة الانفاق لاغراض الدعاية الانتخابية كما فعل المشرع المصري والفرنسي مثلاً ، وقد تدارك بعض من ذلك المشرع في المادة (11) من نظام الحملات الانتخابية رقم (5) لسنة 2020 ، في حين كان يفترض ان تعالج المبادىء العامة للحملات الانتخابية في صلب القانون وترك التفاصيل الى النظام .

خامساً : القانون رقم (4) لسنة 2023 : صدر هذا القانون تحت عنوان التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 ، وبصدده نبين الملاحظات الاتية :

1.            ان هذا القانون يمثل سابقة تشريعية خطيرة لانه يمثل قانوناً هجيناً فهو من جانب يعدل قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 واضاف اليه احكام قانون انتخابات مجلس النواب حيث دمج بين الانتخابات النيابية والانتخابات المحلية لمجالس المحافظات وهذا امر يثير الاستغراب .

2.            نصت المادة (1) منه على تعديل المادة (2) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 لتقرأ بالشكل الاتي : يسري هذا القانون على انتخابات مجالس النواب ومجالس المحافظات والاقضية  ، اي عدل نص في قانون انتخابات المحافظات ليمد نطاق سريانه على الانتخابات التشريعية المنظمة بموجب القانون رقم (9) لسنة 2020.

3.            نصت المادة (25) من قانون التعديل رقم (4) لسنة 2023 على الغاء المادة (51) من قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 ويحل محلها الاتي : اولاً يلغى قانون انتخابات مجلس النواب رقم (9) لسنة 2020 ، حيث نلاحظ ان قانون تعديل لقانون يلغي قانون اخر ، في حين ان القانون يجب ان يلغى بقانون يحل محله موضوعياً وليس بقانون تعديل لقانون اخر ، وكان الاوفق من الناحية التشريعية اذا اما اريد توحيد الانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية في المحافظات في قانون واحد كخيار تشريعي وهو امر لانفضله ، فيجب اصدار قانون جديد ينظم هذه الانتخابات ( التشريعية والمحلية)  ويتضمن نص ضمن الاحكام العامة بالغاء هاذين القانونين ، وليس باصدار قانون تعديل متعدد الاغراض يعدل قانون ويدمج نظامين انتخابيين ويلغي قانون ، ان هذا التوجه يمثل مخالفة جلية لاصول التشريع والصياغة التشريعية وهذا يقتضي التخلص من هذا القانون الهجين .

4.            ان تسمية القانون رقم (4) لسنة 2023 بقانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 هي تسمية خاطئة وتمثل اخفاقاً تشريعياً من ناحية الصياغة التشريعية و من الناحية الموضوعية يجب تلافيها .

 

 


مشاهدات 31
الكاتب احمد طلال البدري
أضيف 2025/04/30 - 3:56 PM
آخر تحديث 2025/05/01 - 11:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 514 الشهر 514 الكلي 10994518
الوقت الآن
الخميس 2025/5/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير