الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رواية "جنود السلطان الأخير" في تحليل نقدي


رواية "جنود السلطان الأخير" في تحليل نقدي

فلاح المرسومي

 

   " جنود السلطان الأخير " رواية لكاتبها الأديب  رعد أبو الطين الحلي، تبدو كأنها نسيجٌ من الرموز المُعتمة والأسئلة الوجودية، تُحاكي عالماً يترنح بين الواقع والأسطورة. فمن الوهلة الأولى، تُلقِي القافلةُ الغريبةُ — التي تَحمِل "أملاً مجهولاً وألماً معلوماً" — بظلالها على النص، كاستعارةٍ للرحلة الإنسانية المُثقلة بالتناقضات: بحثٌ عن خلاصٍ مُبهم، في قلب فوضىٍ مُلموسة. 

 *البنية الرمزية وشخصيات الهامش* 

في  القافلةَ رجلٌ "مقطوع اليد "، تحمل كتفيه بندقيةً   في تناقضٍ يُجسِّد صراعَ البقاء بين العنف والترحال. ومحروس المصري الصديق الطيب والكلب انيس الوفي اما "الأعمى"  فيُذكِّر بأسطورة *تيريسياس* اليوناني، الحكيم الأعمى الذي يرى الحقائق الخفية. هنا، يُحوِّل الكاتبُ الإعاقةَ البصرية إلى رؤيةٍ استشرافيةٍ لِما تُخفيه القافلةُ من أسرار تمثل  دائما  علاقة الإنسان المُعقدة مع أعبائه بمعركة شرسه بين القبول والتمرد. 

لقد برع  الكاتبُ في خلطته النثرية الشاعرية  بالواقعية القاسية، كأنه ينحت الكلمات من طينٍ جافٍ فقد كانت الرواية "جنود السلطان الأخير" تفتح  باب التأويل نحو سياقٍ تاريخيٍ أو استعاري. هل السلطان هنا رمزٌ لسلطةٍ زائلة، أم هو تجسيدٌ لفكرة "الأب الروحي" الذي فقد سُلطته؟ القافلةُ — بجنودها ومُهمتها — قد تُشير إلى محاولةٍ يائسةٍ لإحياء مشروعٍ ميت، أو ربما إلى صراعٍ بين الولاءات البالية والحرية الفردية "

الكاتب بقلمة  لا يكتفي بسرد أحداث القافلة، بل تُوجه سهام النقد إلى الذات الجماعية: فـ"الخائرون" في القافلة هم نتاج خيبةٍ داخلية، لا غزوٍ خارجي محاولا ان

  لا تقدم الرواية حلولاً، بل تطرح أسئلةً مُقلقة: كيف نتحرر من أعباء التاريخ؟و هل الجنود في كل المراحل جزءٌ من مسرحية عبثية للحكام ؟ و أن الحقيقة في، ساحات المعارك ليست إلا طبقاتٍ من الرماد. 

((جنود السلطان الأخير)) ليست روايةً تُقرأ، بل جرح مفتوح في جسدِ زمن يبحث عن خلاصه  رربما عن نهايته.

في زمنٍ التهمته نيران الحرب وصرخات الضعفاء، تنبثق شخصيات الرواية كأشجارٍ عتيقة تُحاكي بجذورها أعماق التاريخ، وأغصانها تُلامس سماءً مثقلةً بالأسئلة الوجودية. هكذا تروي الحكاية:

. مُختار العِراقي: الجندي الذي يحمل وَطنًا في صدره 

رجلٌ نحتتْهُ المعارك بسكين القَسوة، لكن قلبه ظلَّ ينبض بذكرى "جواهر"  زوجته التي فارقت الحياة  حملَ غضبًا صامتًا كالبركان الخامد، لكنَّ يديه ما زالتا تُمسكان بشرارة الأمل.

محروس المصري; الطيب كأنه يُحارب الموت نفسه لئلا يسرق آخر ما تبقى من إنسانيته  يُنير الظلمة بحِكمة الألم رغم عجزه عن الحركة، كانت روحه الضريفة  سيفًا يُشرّعُ أمام اليأس رافضا  أن يستسلم. وجوده بجانب مُختار ليس صداقةً فحسب، بل حوارًا بين إرادتين تمثل أسمى  معاني الطيبة والوفاء  

رَمضان: الخائن الذي ارتدى قناع الأخوّة بدا كظلٍّ وفِيٍّ في البداية، لكن الحرب كشفت أن قلبه مزرعةٌ للجوع. خان رفاقه لِكِسرة خبز، مُبررًا خيانته بـ"ضرورة النجاة". رمضان ليس شريرًا بطبعه، بل هو ضحيةٌ لِخِيانة نفسه قبل الآخرين. 

الطِّفل اليَتيم "مَحروس" البراءة التي تُنبِتُ زهرًا في أرضٍ مُحترقه وُجِدَ على قارعة الطريق كورقة مَخطوطة ممزقة، حمل اسم "مَحروس" تيمنًا بالصديق  الذي ترك عالمنا هذا في رحلة سىرمدية  إلى رب رحيم . أصبح رمزًا للبراءة التي تُذكِّر الكبار بأن الحرب لا تُبيد كل شيء لكنها تقتل رحمة الإنسان.

 الراهب فِلاَديمير: إنسانٌ فوق الأديان  تحوّل ديره إلى ملجأ للهاربين من كل الأعراق. لم يُفرّق بين مسلمٍ ومسيحيٍّ، بل رأى في كلٍّ منهم "نَفَسًا إلهيًّا". كان يردد: "الرحمة لا تُبنى على دين، بل على إنسانية" في لحظة اليأس، كان حضنه الملاذ الأخير لمن بقي حيًّا. 

. الشّيخ أرسلان: التّقوى المزيّفه يدعي انه من أصحاب  القرآن ، لكن قلبه مذبحٌ للأطماع. استغلَّ اسم الدين لابتزاز الضعفاء، مُحوّلًا المسجد إلى سوقٍ للصفقات المشبوهه . في مواجهته، تظهر مفارقة الرواية الأكبر: أيهما أخطر؟ الحرب أم نفاق المُتديّنين؟ 

المُعلِّم نور الدّين: الطيبة التي كسرتها السيوف

كان يحب أن يحمل كراسًا وقلمًا بدل السّلاح، لكن الحرب حولته  إلى شبح انسان .شخصيته تطرح سؤالًا مريرًا: هل الطيبة ضعفٌ أم قوةٌ في عالمٍ يمجّد القسوة؟ 

ميري: ابنة الحُسب والنّسب   لم تكن مجرد زوجة مُختار، بل شريكته في صناعة الأمل. رفضت أن تكون ضحيةً التاريخ القاتم   ، فحملت سلاحَ التعليم لقد  وقفت لتُنير شمعةً في غرفةٍ مظلمة، كأنها تُعلن أن النور لا ينطفئ إلا إذا سمحنا له. 

 أنيس: الكلب الذي علّم البشر معنى الوفاء لم يكن حيوانًا، بل شاهدًا صامتًا على كل الجرائم.

لقد اندمج الكاتب  مع الرواية وجعل قرائه يبحرون معه في  تاريخٌ يُكتَب بدماء الضعفاء  ليحدثنا بصمت ان هذه الرواية لا تنتهي  بانتصارٍ أو هزيمة، بل بسؤالٍ معلّق: 

هل الضمير البشري قادرٌ على الخروج من ظلام الليل الدامس، كمرآةٍ عاكسةٍ لزمنٍ ضاعت فيه الحدود بين البطل والشرير، لكنه بقي فيه وميضٌ من نورٍ  ينشر ملامح حروف ان جمعتها  تنادي  ((ربما خسرنا الحرب، لكننا لم نخسر أنفسنا)).

الرواية هي الإصدار السادس للطبيب والأديب  " رعد الحلي" بغداد ٢٠٢٥.


مشاهدات 80
الكاتب فلاح المرسومي
أضيف 2025/04/22 - 4:01 PM
آخر تحديث 2025/04/23 - 9:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1167 الشهر 24915 الكلي 10905562
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير