لقائي مع سفير الأمم المتحدة بأنقرة
ضرغام الدباغ
وصلت أنقرة في الشهر العاشر / 2002، واتصلت بالأمم المتحدة بقصد محاولة استعادة فرصة عملي الممتازة في منظمة الفاو/ Fao أو أي منظمة دولية أخرى في مجال التعاون الدولي. وبوصفي مختص في العلاقات الدولية، ولي سابقة قبول في المنظمة عام 1983، وكنت في زيارة سابقة لسفارة الأمم المتحدة / انقرة، تعرفت على السيد السفير، وصارت بيننا صلة احترام وتقدير، وكان على معرفة بشخصي، وبوضعي السياسي والعلمي، واتصلت به هاتفياً، ودعاني للحضور في مكتبه صباحاً.
اتجهت لمقر السفارة وهو يقع في الحي الدبلوماسي / تشانكايا بالعاصمة التركية، وأخذت سيارة أجرة وأعطيت للسائق العنوان، وجلست في المقعد الخلفي. وخلال السؤال والجواب، قال لي « أنت تتحدث بشيئ من التركية ولكن يبدو عليك أنك عربي «. أجبته بنعم أنا عراقي « قال انهم يعدون العدة لتدمير العراق .. عندكم قائد عظيم «، قالها ومد يده واخرج من درج السيارة غلاف نيلون بدائي وقد وضع فيه صورة الرئيس صدام حسين، قبّل الصورة وأعادها لدرج السيارة.
أستقبلني السفير، خمسيني العمر وكانت اللغة الإنكليزية لغته الأم، أو هكذا اعتقدت، كان يتحدثها بطلاقة/ ولكنه رجاني أن اتحدث معه بالألمانية التي يجيدها، أيضاً أو يحسنها بدرجة جيدة، فقال لي « حاولت أن أدبر لك مقعد تدريسي في جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، ولكن للأسف أنت متقدم بالسن بسنة او سنتين، كانوا مسرورين بالجامعة للعمل معهم.» كانت الأخبار تترى عن العراق والهجوم الوشيك، فقال معقباً، « ولكن على أيه حال أعتقد أنك ستعود لبغداد قريباً، وشخصية سياسية/ علمية مثلك سيكون لها حتماً موقعها في النظام الجديد». أجبته « ربما سيحتلون العراق ولكنها سوف لن تكون نهاية الاحزان، بل فاتحة لأحزان جديدة « فقال لي « أتعتقد ...؟
« نعم ... لاحظ رجاء أيها الزميل العزيز، أمس كنت في استامبول أرافق صديق لي يشكو من حصى في الكليتين، رافقته لعيادة لطبيب تركي درس في الولايات المتحدة الأمريكية وجلب معه من هناك معدات متطورة جداً لتفتيت حصى الكلى .. وفعلا أنجز المطلوب في وقت ليس طويل، وتناول صديقي مشروب يسهل الإدرار، وأنتهى الأمر وسيرتاح في البيت ليوم أو يومين، ولكن المدهش أن هذا الطبيب الممتاز المتعلم تملأ الآيات القرآنية عيادته، ويلصق أدعية دينية (ستيكر) على الجهاز الطبي الكبير. استغربت وسألت الطبيب،» الجهاز عندك راق ومتقدم، ولكني أرى أنك تضع الكثير من الأدعية والآيات في العيادة ؟
فأجابني الطبيب حرفيا « وهل تعتقد أن هذه الاجهزة تفعل شيئاً إلا بأمر الله سبحانه ؟ ثم اعدت على الطبيب ما حصل معي مع سائق التكسي قبل نحو نصف ساعة، وقلت له « هنا يحدث في هذا البلد (تركيا) حيث فعلوا المستحيل عشرات السنين، أن ينسوا هذا الشعب لتقاليده الدينية، لاحظ رجاء، ما ستفعلونه بالعراق يخالف إرادة الناس .. وستعود القصة من البداية، من حيث انتهت ... وستدور نفس الأحداث أو أسوء بكثير .. ربما بأسماء وعناوين أخرى .. بحيث يغدو نظام صدام الذي انا شخصيا كنت من معارضيه..... سيغدوا حلما بعيد المنال ...!
كانت الأمثلة التي سقتها في حديثي قاطعة، رأيت الحزن واضحا على ملامح السفير الذي كان بالغ الود معي، وأبدى تفهمه الكامل لما حدثته .. وقلت له أني مسافر لبرلين بعد بضعة أيام وشكرته على لطفه وتعاونه معي، وأرسلت له بطاقة من برلين. وأظنه اليوم يتذكر حديثي معه.