الواقعية في العمل السياسي
ضرغام الدباغ
لا ينبغي للسياسي أن يكون عقائدياً، فالعقائديون غالباً ما يكونون تحت ضغط الولاء التام لعقيدة، والإخلاص التام للعقيدة يقودهم للجمود العقائدي (Dogmatic) وهي زاوية لا ينبغي للسياسيين ولا سيما في المراتب القيادية، أن يحشروا أنفسهم فيه، والجمود العقائدي يحول بين السياسي وبين خيارات يمكن أن يتخذها ويحقق المكاسب.
موقع افضل
لا أريد القول أن العقائدي لا يحق له العمل السياسي، ولكني أؤكد هنا مرة أخرى، أن للعمل السياسي نواميسه وقواعده، ومن أولى تلك الأسس هي قبوله بالآخر، وبالتفاوض، وبالتراجع حيناً لكي تتقدم، وأن تناور من أجل أن تكسب موقعا أفضل، وأن تقوم بتحالفات وائتلافات، وأن نصف خصماً، من هو ليس في المعسكر المعادي لك، هو ليس بخصم .. أو ربما يفرض عليك الموقف السياسي أن لا تشهر العداء، بوجه من يستحق ذلك، ولكن عليك أن تتريث
يحق لك أن لا توافق على مشروع ما.
يحق لك أن تصمت حيال العرض، الصمت موقف ..! يحق لك أن تعبر عن عدم ارتياحك بطريقة موضوعية.
يحق لك القول: لدينا وجهة نظرنا .. سنطرحها في الوقت المناسب ..
يحق لك القول: أن وجهة نظرنا لا تتفق تماما مع الفكرة المطروحة للنقاش.
يحق لك القول: أننا يمكن أن نطور الفكرة المطروحة ليكون أكثر مرونة وليتلائم مع وجهة نظرنا ومع جهات أخرى ربما.
يحق لك القول: في الوقت الذي نحترم وجهات نظر الجميع، نأمل احترام وجهة نظرنا أيضاً.
وهكذا نلاحظ أن هناك سقوف كثيرة يمكنك أن تقف عند حدودها دون أن تلحق الضرر بموقفك. السياسي المحنك هو من يجعل سقف موقفه عالياً لكي لا يحشر في زاوية غير مرغوبة أو غير مفضلة. ومن هنا ننصح كل سياسي (وخاصة المحترفين / الدبلوماسيين) أن لا يضع نفسه في مواقف صعبة فيتفاداها، وليعلم أن للجميع آذان حساسة تلتقط أصغر العبارات وتسجلها عليه، وتعتبرها موقفاً له حساباته. ولا تقدم تراجعاً في موقف مجاناً بسبب هفوة.يتجنب الدبلوماسي المحترف تلفظ العبارات الحادة، فبدلاً من القول „نرفض“ أن يقول „ غير مقبول/ غير مستحب „ أن لا يهاجم مشروعا بحدة، بل „ مشروع يمكن دراسته وتعديله ليتناسب مع مصالحنا“ الدبلوماسي لا يطرح نفسه قالبا جامداً غير قابل للفهم والتفاهم. اسياسي الواقعي يتكلم ويعد بقدر ما يستطيغ أن يحقق وينفذ. له الحق ا، يعد الناس بأهدافه الاستراتيجية، ولكن على أنها كذلك، وليست للتسويق السياسي الخيالي. لا نقصد من هذا أن يكون الدبلوماسي مائعاً وشخصية هلامية، بل أن يقف من جوهر قضيته موقفاً واضحاً يساعده على كسب حلفاء وأصدقاء، ولن يتوصل لهذا إذا كان فضاً لا يحترم أراء الآخرين. والدبلوماسيون فئة تنجذ للحديث المهذب المليئ بالعبر، والذي يستمع جيداً لحديث الآخرين، يطرح وجهة نظره بطريقة غير اعتدائية، يرغم حتى الخصم باحترامها.الدوغماتي (المتعصب عقائدياً) ليس بتقدمي .. بل هو على الأرجح يميني، متعصب، وغالباً متطرف، السياسي المناضل التقدمي، مخلص لقضيته، وهذا الإخلاص يجعله يعاني الكثير من أجل أن تفوز وتنتصر قضيته. ومن أجل ولك فهو على استعداد أن يتراجع، ولكن من أجل فوز جرى التخطيط له بدقة، „ يتراجع خطوة من أجل أن يتقدم خطوتين „ .
اتخاذ قرارات
في أغلب الحالات حين لا يقبل القائد السياسي أو العسكري التراجع لأنه يخشى كلمة „ انسحاب „ فيفضل اتخاذ قرارات يعتبرها „ صمود „ ولكنها في الواقع تدمير، كان من المستحسن التراجع واتخاذ مواقع أفضل من تلك المكشوفة، أو ليعيد تنظيم صفوفه وخططه، أو إعادة النظر في حلفاءه .
الواقعية تعي بالضبط قراءة الموقف بمعايير اليوم، ... الآن ... القائد الذي لا يتمكن من الرؤية الحقيقية / الواقعية، هو قائد يقود للكوارث.، قد يتغير الموقف على مدار الساعة، يجب على القادة متابعة الموقف بالتفصيل دون إغفال أي جانب مهما كان ثانويا وصغيرا .. القائد السياسي الناجح هو من يمتلك رؤية عريضة تشمل مساحة العمل...ويتعامل مع الوقائع والحقائق المطروحة مادياً، والمتوفرة بين يديه ...