سنُّ الترشيح لعضوية مجلس النواب.. إغفال متعمّد لفئة الشباب
إياس الساموك
تُعد سنّ الترشيح لعضوية المجلس النيابي من الموضوعات المهمّة التي تحظى بأولوية في النصوص التشريعية الانتخابية، سواء وردت في الدساتير أم في القوانين العادية.
وقد تباينت الأنظمة القانونية لدول المنطقة في تنظيمها لسنّ المرشّح، سواء من حيث موقع النصّ الذي يحدده، أو من حيث السنّ المطلوب ذاته. ونجد أن غالبية دساتير دول المنطقة قد احتفظت لنفسها وضع سن الترشيح لعضوية المجلس النيابي، خصوصاً الحد الأدنى. كما أن قوانينها التي صدرت بشأن تنظيم العملية الانتخابية، فإن أحكامها المتعلقة بسن الترشيح لا تخرج عن كونها ترديداً لما ورد في النص الدستوري.
وبهذا النهج قد أخذ دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022 (النافذ)، حيث يشترط لعضوية مجلس نواب الشعب بحسب الفصل الثامن والخمسين منه أنه يكون قد «بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة كاملة يوم تقديم ترشيحه»، وبهذا المآل قد ذهب قانون الانتخابات والاستفتاء رقم (16) لسنة 2014 (المعدل).
كذا الحال بالنسبة لدستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 (المعدل) الذي اشترط في عضو مجلس النواب بحسب المادة (102) على «ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية»، وبهذا قد ذهب أيضاً قانون مجلس النواب رقم (46) لسنة 2014 (المعدل). والمادة (70) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية لسنة 1952 (المعدل) التي اشترطت في عضو مجلس النواب «ان يكون قد اتم خمساً وعشرين سنة شمسية»، وبهذا قد ذهب قانون انتخابات مجلس النواب رقم (4) لسنة 2022.
والمادة (82/ ج) من دستور دولة الكويت لسنة 1962 (المعدل) التي اشترطت في عضو مجلس الأمة «ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنه ميلادية».
اتحاد وطني
والمادة (70/ 2) من دستور دولة الامارات العربية المتحدة لسنة 1971 (المعدل) التي اشترطت في عضو مجلس الاتحاد الوطني أن «لا تقل سنه عند اختياره عن خمس وعشرين سنةً ميلاديةً».
والمادة (57/ ب) من الدستور مملكة البحرين لسنة 2002 (المعدل) التي اشترطت في عضو مجلس النواب على «ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة».
في المقابل، ذهبت بعض الدول إلى ترك مسألة سنّ الترشيح للمشرّع العادي، ومنحته في هذا المجال سلطة تقديرية ضمن إطار القوانين الانتخابية، من دون وضع حد أدنى.
ولعلّ من أبرز التجارب ما أخذت به دولة قطر، إذ تضمن دستورها الصادر عام 2004 نصاً يحدّد سنّ الأدنى للترشّح لعضوية مجلس الشورى، حيث نصت المادة (80/ 2) على الآتي: «ألا تقل سنه عند قفل باب الترشيح عن ثلاثين سنة ميلادية».
لكن بموجب التعديل الذي صدر في 2024، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بالعدد (26) بتاريخ (31/ 12/ 2024) فقد تم رفع سن الترشيح من المادة (80)، وهذا يعني أن تنظيمه سيكون للمشرع العادي حيث اشترطت المادة (10/ 2) من قانون نظام انتخاب مجلس الشورى رقم (6) لسنة 2021 مرشح عضوية مجلس الشورى «ألا يقل عمره عند قفل باب الترشيح عن ثلاثين سنة ميلادية».
ومن الدول التي لم تنظم في دستورها سن الترشيح، هي لبنان حيث لم يتضمن الدستور الصادر في سنة 1926 (المعدل) هذا الشرط، بل جرى تنظيمه بموجب المادة (7) من قانون الانتخابات النيابية رقم (44) لسنة 2017 التي نصت على الآتي «لا يجوز أن يترشح لعضوية مجلس النواب إلا من كان لبنانياً أتم الخامسة والعشرين من العمر...». أما في العراق، نجد أن قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 (الملغى)، قد حدد سن الترشيح للجمعية الوطنية، بأنه اشترط في مرشح عضويتها بموجب المادة (31/ ب/ 1) أن «يكون عراقياً لا يقلّ عمره عن ثلاثين سنة».
لكن هذا الشرط لم يُذكر ضمن شروط الترشيح لعضوية مجلس النواب، وفقاً لأحكام المادة (49/ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، حيث اقتصر النصّ على اشتراط أن يكون المرشّح عراقياً، في حين أُحيلت الشروط الأخرى إلى القانون، وذلك بموجب الفقرة (رابعاً) من المادة ذاتها.
وقد صدرت في العراق العديد من القوانين الانتخابية التي تضمّنت شرط السن، ولكن بصياغات مختلفة، حيث نصت المادة (6/ أولاً) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 على الآتي: «أن لا يقل عمره عن ثلاثين سنة»، ولم يبيّن هذا النص ما إذا كانت السنّ المطلوبة عند تقديم طلب الترشيح أم عند موعد الاقتراع.
تظاهرات شعبية
وهو ما تم الالتفات إليه لاحقاً في قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 (الملغى) حيث نصت المادة (8/ اولاً) على الآتي: «أن لا يقل عمره عن (30) لسنة عند الترشيح».
تحت تأثير التظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد في عام 2019، تمّ سنّ قانون جديد للانتخابات بالرقم (9) لسنة 2020، والذي تضمن نصوصاً مختلفة جوهرياً عن القوانين السابقة. ومن بين هذه النصوص، جاءت المادة (8) التي اشترطت في المرشح لعضوية مجلس النواب «أن يكون عراقياً كامل الأهلية أتم (28) ثمانية وعشرين سنة من عمره في يوم الاقتراع».
وخلال الدورة الانتخابية الحالية، سنّ مجلس النواب قانوناً دمج بموجبه قانون الانتخابات مع انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وأعاد تحديد سنّ الترشيح إلى ما كان عليه قبل عام 2020، حيث اشترطت المادة (7/ أولاً) من القانون رقم (4) لسنة 2023 التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 في المرشح أن يكون قد «أتم (30) الثلاثين سنة من عمره يوم الاقتراع».
وإذ نقرّ بمبدأ التخلي عن تحديد سنّ الترشيح لعضوية مجلس النواب ضمن النصوص الدستورية، انسجاماً مع التوجه نحو ترك التفاصيل للقوانين العادية.
فإننا نؤكد في الوقت ذاته أهمية أن يتولى المشرّع العادي مسؤولية تنظيم هذا الأمر بما يحقق التوازن بين متطلبات النضج السياسي وضرورة تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في الحياة النيابية.
وفي هذا السياق، نرى من الضروري أن يُمنح الشباب الفرصة الحقيقية لتمثيل شريحتهم الواسعة والمؤثرة في المجتمع داخل السلطة التشريعية، وذلك من خلال تحديد سنّ الترشيح عند إتمام الخامسة والعشرين عاماً، وهي سنّ تُعد كافية لاكتساب الحد الأدنى من الخبرة والنضج اللازمين للمساهمة في العمل النيابي بفعالية.