الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العدسات تسرق لحظاتنا

بواسطة azzaman

العدسات تسرق لحظاتنا

أميمة ابراهيم

 

من منا لم يرجع الى البوم صوره او تلك الصور المخزونة في هاتفه المحمول يتصفحها ويستعيد معها الذكريات بابتسامة سعيدة او تنهيدة مؤلمة ؟؟ ومن منا لم يحلم ان يصبح مصورا ذات يوم كبطل مغامر حاملا الكاميرا ويبحث في كل زاوية عن قصة لم تروى بعد وأسرار لم تكشف ؟؟ لكن ان يصبح التصوير جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية لا بل يتحول إلى ما يشبه الهوس الذي يلاحق كل تفاصيلنا حتى الصغير او التافه منها  , فهي ظاهرة يجب ان نراجع فيها انفسنا .

وفق المنظور الاجتماعي المعاصر لم يعد التصوير مجرد فعل ترفيهي او ربما ضروري بل تحول إلى نوع من الممارسة اليومية فلم يعد يقتصر على مناسباتنا الكبرى أو لحظاتنا الهامة ,بل تعداها الى تصوير الابتسامة والدمعة ,والاحياء والاموات, ووجبات طعامنا ,وقططنا ,وتسوقنا ,وووو , كله اصبح تحت رحمة الكاميرا وغرقت ذاكرة هواتفنا بسيل من الصور كما لو أن الأمر منافسة بين الجميع على تسجيل شهادة حياته (المثالية) تحت بركة الرقمية ليعود فيشاركها على منصات التواصل الاجتماعي وكأنها شاهد على سعادته ويزيد معها عدد المتابعين. نعم هذا ما اصبح عليه واقع مجتمعنا العربي فلكي يهرب من واقع سياسي واقتصادي واجتماعي مرير يتخذ من كاميرته سلاحا للهروب به الى عالم سعيد ومثالي خال من الهموم  يقنع به نفسه والاخرين.

لكن ماذا بعد هذا التوثيق المستمر؟ دراسات كثيرة وجدت تأثير هذا التوثيق على العلاقات العائلية والاجتماعية وبشكل كبير اذ قد يأخذ التصوير الأولوية على اللحظة نفسها وبدلاً من الاستمتاع بالوقت مع العائلة أو الأصدقاء ينشغل الناس في محاولة للبحث عن لقطات مثالية وفلتر سحري يخفي العيوب ويسلب هويتنا واللحظات الجميلة التي نعيشها ويحولها الى مجرد تجربة بدلاً من العيش فيها وبالتالي نفقد التواصل الحقيقي مع الاخرين.

كما وجدت دراسات اخرى انه سبب من اسباب شعور بعض المتابعين بالعزلة أو النقص وهذا ما يدفعهم للتساؤل :لماذا لا تبدو حياتنا كما في تلك الصور؟ ويبدأ البحث عن سبل (قد تكون بعضها ان لم يكن معظمها سبلا خاطئة) محاولا تقليد الغير. لا يمكن الإنكار بأن التصوير قد وثق لحظات لن تتكرر وتجارب فعلية ولحظات حقيقية كما انه خلق مساحة للتفاعل الاجتماعي , لكن .. تبقى تلك الصور التي نلتقطها ليست سوى جزء من حكايتنا، بينما تبقى حياتنا الحقيقية بتفاصيلها بكل أحاسيس عشناها واحلام نسعى لتحقيقها مخفية وراء شاشاتنا . لذا دعونا نتنافس على أعمق وانجح التجارب لا على أفضل اللقطات .

 

 

 

 


مشاهدات 220
الكاتب أميمة ابراهيم
أضيف 2025/03/23 - 2:38 PM
آخر تحديث 2025/12/02 - 1:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 75 الشهر 863 الكلي 12784768
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير