سؤال إلى أصدقاء الأمس
عبد المحسن عباس الوائلي
في اليقظة وحدي في المقام وحدي لمن اشكو، لا أدري شكوت كثيراً لله أعرف هو الوحيد الذي يعرف كل شيء ونحن لا نعرف أي شيء ولكني أقول كثيرة هي الشكوى هذه الأيام، من الاصدقاء وطقوسهم التي تتغير معنا لما لم نعهده من اجواء معهم، ولا من أفعال وردود الأفعال تخز احساسنا بإبر الدهشة، واحيانا يكون وخزها قاسياً، كحد الصدمة لنقف أمام جدار محاسبتهم، ونكتب عليه مراثيهم، وفي بعض الأحيان نرسم بعضاً من سطور هجاء.. ننسحب بعتاباتنا لهم الى زوايا الالم واخفاء الجروح، نجفف بمنديل الصمت الدموع على افتقاد التكافؤ في علاقاتنا بهم، على مستوى العطاء بكل ابعاده، وكأننا نكتشفهم بعد هذا العمر، نلبس وجوهنا وقع الصدمة، ونفتح باب الصدر، لتخرج منه نفخة حسرة على مغادرة الثقة بهم، ونعتق عيوننا من كحل رؤياهم غداً.. نلتقط صوراً للاوعي، وهو يميد مضطربا ببركان غضب، ونوزع هذه الصور على وعينا، نرفقه ببيان ادانة لتلك الصدقات، لأنها لم تكن على مستوى الاختيار، ولا عند حسن الظن البريء.. نوزع منشورات في الخفاء، على جموع احاسيسنا، نحفزها على قطيعة الاصدقاء، ونحث النفس جهراً على الترفع والخوض في أية مهاترات، او عتابات لهم، ومعهم ليصدر الحكم بعد ذلك بنفيهم عن دوائر تواصلنا معهم، من دون اعطائهم أية فرصة في الدفاع عن أنفسهم، أو حتى بانابة من يفند اتهاماتنا لهم، ونكون بذلك كمن يلبس معاً ثوب القاضي والجلاد في الوقت نفسه، وبصورة أقرب ما تكون اشباه بجماليون، ذلك الحالم الذي صنع تمثاله والبسه فكره وأكمل كل ما ينقصه من وحي ما يرغب هو به أن يكون عليه هذا التمثال، الى أن جاءت لحظة وتمرد عليه تمثاله، أقصد على ما يرغب فيه بجماليون..
ردود افعال
وتستدعيني هنا منطوقة لأحد الاصدقاء خففت عليّ يوماً ثقل الصدمة في احداهن، وكانت عنواناً لكل صداقاتي فيما بعد، فلم أحد عن مضمونها، ورحت نفسي كما ارحت الاصدقاء، منطوقة من اربع كلمات «لا تصنعي أنت صورة للأصدقاء».. هل هي ثقافة الأنا تحكمنا وتوجه مساراتنا، بما تتطلبه من احتياجات متجاوزين خطوط احتياجات الآخر، وما تتخللها ظروفه من مطبات خاصة، أو حتى من تغيرات في المناخ العام، تنعكس عليه مما نتأثر بها نحن. نصر على تمسكنا بصور ترسمها ريشتنا لهم، ونرفض أي تغير لهم، خارجاً عن حدود هذا التصور، بل نكمل نحن ما ينقص تلك الصور الوان، وخطوط أفعال وردود الأفعال، وفي الغالب أيضا نكمل اطار تلك الصور، فأذا ما اردنا مناقضتها لألوان نحن صنعناها، او تغيراً في خطوطها، نغضب ونخلعها من فوق الجدران، ونصدق انفعالنا، نعيش كذبة تغيرهم وفروق التطابق ما بين حقيقتهم، وظل حقيقة نحن رسمناها وصدقناها. أم هو عدم تقلبنا لسطوة التغيير الذي ينتهجه الواقع معنا في هذا العصر، الخاذل لكل الرؤى الجميلة، وقوانين الانسان التي غادرت نواميسها، وتركت لنا فوضوية وغوغائية الاتهامات بالغدر والخيانة نكتال منها ما نشاء، ونستبيح بمكاييلنا تلك دم العلاقات الانسانية التي نحن أحوج ما نكون اليها، في ظل هذا الوقت البخيل علينا بلحظات صفاء واسترخاء، في هجير عناءاتنا الأكبر، وما تجود به علينا كل يوم، بل في كل لحظة بهموم عامة، وقضايا مخيفة، وتطيح مركز توازننا على هذه الدائرية، الارض.. أم لكثرة زياراتنا لعيادات عتاب الاصدقاء، ونحن لا نحمل معنا إلا اوهام امراض العتاب، وبالتالي يسأم الاصدقاء من كثافة فيضان عتابنا، فيتحلون أو تشرد اقدامهم بعيدا عنا، وبذلك يصدق ذاك الشاعر، الذي قال: اذا كنت في كل الأمور معاتباً.. صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه.. ولكنني عاتبت وفعلاً لم يبقى لدي صديق ولا قريب وانا.. انا.. والمشتكى لله عظم شأنه..