فاتح عبد السلام
كانت في الأجواء مائة وثمانون طائرة ركّاب مدنية، وجهتها الى مطار هيثرو في لندن حين وردت إشارة طوارئ الى جميع الطائرات بأن المطار بات خارج الخدمة ومن المستحيل الهبوط فيه، بعد تعطل الكهرباء كلياً في جميع منشآت المطار الكبير بسبب حريق مفاجئ في محطة كهرباء مكلفة تزويد المطار بالطاقة. وبعد بضع ساعات عاد الوضع الي حالته الطبيعية.
هذا مثال من الواقع اليومي، يمكن ان تدرسه بلداننا التي تضرب في الغالب، أخماساً في أسداس عند حدوث ظروف طارئة.
في العراق، وعبر أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، كان كل مرفق حكومي، أو خدمي، أو مدني، أو طبي، خاضعا بشكل مباشر أو غير مباشر لظروف الطوارئ. وهذا الحال بالرغم من اختلاف ظروف السلم عن ظروف الحرب فيه، كان يستدعي إقامة تجارب وتمارين استعدادية كبرى في التعامل التجريبي والتدريبي مع ظروف طوارئ صعبة تقتضي اخلاء مناطق سكنية او إغاثة كتل بشرية محاصرة بفعل هطول الامطار وانجراف السيول أو بفعل كارثة طبيعية مثل فيضان او انهيار سد كبير بما يهدد ملايين العراقيين.
لقد كشفت احداث سابقة في نشوب حرائق بأسواق في بغداد او المحافظات او حادث غرق العبّارة المروع في نهر دجلة بالموصل او سوى ذلك من الكوارث ان الاستعدادات الرسمية لمواجهتها ضعيفة الى حد مخجل، بما يضعنا امام تساؤلات جدية عن ضياع موازنات كبيرة من دون توجيها في أداء مهمات في سد هذه النواقص، وتساؤلات أكبر عن معنى التخطيط والمتابعة في هيكلية البناء الحكومي للدولة العراقية.
اذا يعتقدون انّ الصفحة نسيت وطويت، فإنّ ذلك من الوهم، فقد وقعت كتل بشرية هائلة ومليونية العدد في مدن عراقية ومنها الموصل تحت الحصار والقتال عند احتلالها من تنظيم داعش في العام 2014 ، وحين جرت عملية استعادة تلك المدن في العام 2017 ظهرت القوات العراقية والدولية العاملة معها تتصرف بمعزل عن مفهوم عمليات اخلاء السكان عبر عمليات خاصة ومقتدرة ، قبل الشروع بعمليات عسكرية تسببت في دفن عوائل كاملة تحت انقاض بيوتها. هذه حقيقة ليس القصد منها اتهام اية جهة بقدر القصد في اثارة الانتباه الى إمكانية ان تتكرر احداث مشابهة في العراق، وانّ العبرة ليست باستعادة مكان ما من دون بشر، كما كان بعضهم يتصرف.
انّ تجارب البدائل السريعة الناجحة والمتحكمة، لمطار هيثرو في وقت كانت حياة آلاف الركاب في الطائرات معلقة في السماء، تجعلنا ان نفكر عميقا بهذا الدرس ، ونفيد منه ، ونترجمه بواقعنا، نترجمه بالعراقي.