نساء البزّاز
فيصل عبدالحسن
أقول مقدماً ورقة اعتمادي إلى القارىء “القاضي المنصف” لكل كاتب، أني لم أمدح رئيساً ولا وزيراً ولا مسؤولاً منذ ارتضيت القلم سلاحاً شريفاً أدافع به عن إنسانيتي وإنسانية أبناء بلدي العراق، وجميع البشر من كل لون وطيف، طيلة ممارستي الكتابة منذ يفاعة شبابي وإلى يومي الحالي، نعم كنا نتضوّر جوعاً في زمن سنوات الحصار، ووقتها كان صدام حسين صاحب العطايا الشهريارية، ولكن لم أضعف يوماً، فامتدح من يذمه غيري في السر ويمدحه في العلن، ويبطل ما يعمله الرئيس في العلن ما يسره في الليل، وكنا بحاجة لكل شيء: المال والمنصب الرفيع وبيت السكن، فقد أمضيت نصف عمري في العراق أما في بيت حكومي أو مؤجراً في منطقة شعبية، وأنا والحمد لله على قدرة وعلم والفضل لله قبل كل شيء، الذي أقامني من والد مكافح أستطاع أن يتيح لي إكمال دراستي والتخرج كمهندس في زمن كانت فيه فتيات العراق الجميلات يرددن: لو مهندس لو ما أعرس.
وأن أكون نفسي ككاتب وأديب يعبر عن ذاته والآخرين، وأظن على الأقل أن القاضي “ القارىء” الحبيب اقتنع ببياض صفحتي وخلو ساحتي من مديح أحد، ولقاضينا العزيز صفحة عمنا الرائع كوكل، فليبحث فيها عما يدحض ما قدمت من مرافعة عن نفسي، لست بطلاً، لكنني احترم إنسانيتي وإنسانية الكلمة التي أكتبها للقارىء، الذي اعتبره قاضياً نزيها لا حد لأحترامي له.
أكتب اليوم وبعد خمسين سنة من الكتابة في الصحافة ومن تأليف الكتب في الأدب والنقد والعمل الصحفي، عن: نساء البزاز، ودموع هاته النساء، يا سيدي هؤلاء النساء العراقيات الأصيلات نساء تجلببن بالسواد منذ وعين الدنيا، وشجونها، ولم نرهن يوما ضاحكات أو باسمات، وحتى إذا عبرن عن فرحهن بهلولة عراقية ستتغوروق عيونهن بالدموع، رقيقات كريمات مرَّت بهن كل ظروف قسوة الحياة بالعراق، الفقر والجهل وظلم المحتمع العشائري لهن، هاته السيدات اللاتي أخشوشنت أكفهن من العمل، كبائعات سمك وقيمر وألبان وخضروات، هاته النسوة اللاتي ثكلن بأزواجهن مبكرات وعقوق أولادهن، هؤلاء النسوة ما مرَّ عليهن فجر في فراش الدفء من دون أن يشاهدن بزوغ الشمس وهن في صراعهن مع الحياة، لكسب الفلس الحلال، ليطعمن يتامي لهن أو زوجاً عليلا ً أو ..أو.
لم يدهشني شيء غير تلك الدموع النبيلة التي تسفح من عيونهن، وهن يستلمن عطية من عطيات سعد البزاز يناولهن له مراسل الشرقية الشاب الخلوق الباسم في أصعب مراحل اللقاء بهؤلاء المظلومات، أما لمساعدتهن بالمال في العيش الكريم أو لعمرة يقضينها في حج بيت الله الحرام، أو لإصلاح بيت لهن أيل للسقوط أو لفرشة بيت خال من الأثاث، أو بشراء بيت لمن لا تمتلك بيتاً.
ومن هو سعد البزاز غير هذه القامة الثقافية، وسوى رجل عصامي بنى نفسه بنفسه في غربته الأنجليزية، ومن هو سعد البزاز وسط أصحاب المليارات الدولارية، التي هبطت على رؤوسهم بعد 2003 ولم ير أحد العراقيين من خيرهم شيئاً غير أولادهم وأقرابائهم.
نعم الأغنياء الجدد وأقرباؤهم الذين اغتنوا أيضا من غني قرابتهم لهم، لم يفعلوا بما أغتصبوه من خيرات العراقيين كما فعل المرحوم رفيق الحريري في لبنان والرجل جمع ماله من عمله وكده في المملكة السعودية حين كان يبعث أبناءاللبنانين الفقراء للدراسة على حسابه الخاص، ويبني الملاجىْ للأيتام والدور للعجزة، هؤلاء الأغنياء الجدد إلا يخجلون، وهم يتابعون كيف تبكي تلك النسوة، وهن يسمعن بإسم سعد البزاز، وكأنهن يستحضرن كل سنوات الشقاء والظلم الذي عاشته كل واحدة منهن وقد جاء ذكر المنقذ الكريم بعد الله.
يا سيدي سعد البزاز لقد فقت في كرمك ونبلك كل هؤلاء الذين ذكرت من الأجلاف، فهم والله لا يصلون لأخمص حذائك، وستكون حين يحق الحق في عليين، وأبشر بكل دمعة مسحتها عن وجوه نسائك ستكون فرحة لك في يوم يلتقيك رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ليجعلك ضمن هؤلاء الكرماء من أمته، فأبشر أيها الرجل الرجل بفوزك العظيم في هذا الشهر المبارك الكريم، فوالله ما أكتبه بحقك قليل، قليل ولا يصل ذرة من نبلك وكرمك وسعة صدرك .
نساؤك من البصرة وذي قار وكركوك وبغداد والموصل سيجتمعن في بيت الله الحرام، وسيلهجن بالدعاء لك يا كبير، ويشهدن يوم الحق العظيم الأتي لا ريب فيه، أنهن ذرفن دموع الفرح العظيم، لأنك أنصفتهن يوم ظلمهن أولياء الأمر من الحاكمين على أموال أكبر خزين للنفط في العالم.
مرحى لك وعذراً لي على تقصير قلمي في مدحك، فأنا لم أتعلم المديح لشخص حي يرزق، وأكثر حياة من حاكمين ترفل خزائنهم بالمليارات، ولكن قلوبهم سود وأكفهم أكف شح وتقصير تعلمت أن تسرق وأن لا تعطي.
فإلى فيض الكرم العراقي في زمن القحط، والنخوة العراقية في زمن تسيد النذالة، وبذخ الثقافة العراقية الأصيلة في زمن التخلف والرداءة، ويا صاحب الفكر الخلاق في زمن الانحطاط الفكري إليك سعد البزاز أهدي كلماتي الفقيرة في حقك، وإن كنت تستحق الكثير الكثير، فعذراً يا كبير .
كاتب مقيم بالمغرب