حرب اليمن..وإن طال السفر

عبدالمنعم الاعسم

منذ انهيار سد مأرب قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة وجد اليمنيون في الحرب وسيلة لا بديل عنها للوصول الى السلام والرخاء، واحالوا دواعي هذا الخيار الابدي الى حكمة يتداولونها جيلا عن جيل “لابد من صنعا وإن طال السفر” وذلك قبل ان تصبح هذه البلاد ساحة لتصفيات المصالح بين دول متناحرة وجدت بين ابنائها من يتقبل ان يكون اداة لمصالح وراء الحدود، بل ويشقى ويموت من اجل تلك المصالح، في مفارقة سوداء تختلط فيها الوطنية اليمنية العريقة مع الولاء للاجنبي، وفي هذه المفارقة يصبح الحديث عن التسوية والحل السلمي والمفاوضات مؤجل الى موعد مجهول.

وإذ حارب اليمنيون بعضهم في القرن الماضي، وخوضوا في تعقيداتها ودمائها، فقد كانون  يتوصلون الى “استراحات” بين كل بضعة حروب فيلقون بالخصومات الى ما وراء ظهورهم، مؤقتا طبعا، بل انهم كانوا (في حرب الشمال والجنوب في مطلع السبعينات) يلقون سلاحهم جانبا في هدنة غير مكتوبة لعدة ساعات يعودون بعدها الى فتح النيران على بعضهم.

الآن، على الرغم من تشابك وكثرة المتدخلين في الازمة اليمنية التي تدخل عامها  الفلكي منذ حروب سبأ ، فقد نأت حكمة الحاجة الى استراحة، بعد ان حلّ محل الفريقين المحليين المتنافسين عبر التاريخ  فرقٌ ودول كثيرة، تتحارب بضراوة على ارضه،  مع مفاوضات مضنية ومعقدة تمضي وتتعثر، لكنها في نهاية الامر ستصل الى تلك المحطة المنتظرة: الاستراحة.

وبرغم الطابع العام للحرب اليمنية المندلعة الأن كونها حرب بالنيابة فان ثمة في اليمن حرب اهلية كلاسيكية موازية: الكل يحارب الكل.. الحوثيون يحاربون الجماعة الارهابية المسلحة “القاعدة” وكلاهما يحاربان بقايا الدولة في عدن التي تحاربهما معا بوسائل الاستقواء المستعارة من وراء الحدود، لكن الشيء الآخر الخطير الذي تطرحه الحرب اليمنية يتعلق بالحرب نفسها كوسيلة لحل الخلافات، او وسيلة للوصول الى السلطة، حيث اصبح واضحا امكانية تقاسم السلطة بين المتحاربين باستثناء الجماعة الارهابية الاجرامية.. وبمعنى اكثر وضوحا، ان الازمة العاصفة في اليمن يمكن حلها فقط بتسوية “تقاسم السلطة” بين الحوثيين وجماعة السلطة القائمة المعترف بها دوليا وإقليميا.. وهذا ما يجري العمل عليه، وإن بواسطة حرب جديدة بنسخة امريكية من سيناريوهات دونالد ترامب التدميرية.