الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إتفاقية الجزائر.. من ربح ومن خسر؟

بواسطة azzaman

أذن وعين

إتفاقية الجزائر.. من ربح ومن خسر؟

عبد اللطيف السعدون

 

كانت ملاحظة ذكية تلك التي أثارها الدبلوماسي البريطاني وير بيري في الاجتماع التقييمي لأوضاع المنطقة العربية الذي عقد في لندن غداة التوقيع على اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في آذار 1975 وحضره دبلوماسيون وخبراء: «إنها لمفارقة أن يعمد رجل العراق القوي (صدام حسين) إلى تقديم كل هذه التنازلات لعدوه اللدود (شاه إيران) ليوقف دعمه لقادة التمرد الكردي في الوقت الذي يحجم فيه عن تقديم تنازلات أقل كلفة وأكثر منطقية لمواطنيه الأكراد لتسوية مشكلة داخلية طالما أرقت حكام بغداد»!

وقد أجمع الحاضرون في الاجتماع على أن تلك الخطوة مهما كانت دوافعها لدى صدام إلا أنها ربما تفيد في تحجيم دور العراق كلاعب أساسي في المنطقة وخاصة بعد عقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي التي اعتبرت في نظر الغرب تجاوزا للخطوط الحمر، ولذلك عمد الغربيون إلى تشجيع الشاه على التصالح مع بغداد وتقوية خطوط التعاون معها والسعي لإعادة العراق الى حضيرة الغرب.  

وكان صدام التقط الكرة وبادر بحسب ما قاله الملا الراحل مصطفى البرزاني الى ارسال اشارات الى واشنطن عبر عواصم عديدة بأنه مستعد لتقليص حجم علاقته وروابطه مع موسكو والتفاهم مع إيران في حال تخلي الشاه عن دعم الكرد, وسنعرف أنه في فرصة لاحقة يصارح صدام الأميركيين بأنه حين وقع اتفاقية الجزائر كان موضوعا في زاوية ومحصورا بين خيارين أحلاهما مر، إما أن يتخلى عن نصف شط العرب وإما أن يخسر العراق كله، وقد اختار التخلي عن الشط مقابل أن يحافظ على العراق بحسب ما قاله هو للسفيرة الأميركية في بغداد أبريل غلاسبي قبل أيام من غزوه للكويت لكنه في الوقت الذي بصم فيه على الاتفاقية كان يضمر في داخله نية التنصل منها بعدما يتم احتواء التمرد الكردي وتقوى شوكة الحكم، ويصبح بإمكان العراق أن يمارس الدور الذي كان يطمح له كقوة عربية وإقليمية ذات فعل وتأثير

دعم عربي

وهكذا تمت كل التحضيرات لعقد الاتفاقية في كواليس الدبلوماسية السرية التي قادها الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين بدعم غربي غير معلن، ولم يكن أحد من العراقيين يعلم بها سوى بعض رجال الحلقة الضيقة المحيطة بصدام، وهذا ما أكده عضو القيادة تايه عبد الكريم الذي رافق صدام الى قمة الجزائر باعتباره وزير النفط في مقابلة له حيث قال انه علم بالاتفاقية قبل ساعات من توقيعها!

ويمكن القول ان اتفاقية الجزائر شكلت صفقة غامضة راهن كل من طرفيها العراقي والايراني على الحصول على مكاسب خاصة به من خلالها، وقد اعتبر شاه إيران، وهو لاعب ماهر في السياسات الاقليمية، الرابح الأكبر فيها إذ حقق أكبر طموحاته في الحصول على نصف شط العرب (خط الثالوك) والسيطرة على أرض عراقية  كما حصل على قبول العراق بالتخلي عن معاهدة 1937 التي كان والد الشاه قد وقعها في حينه، واعتبر الشاه ذلك تحقيقا لأكبر أحلامه، وينقل السياسي الراحل الدكتور محمود عثمان الذي كان أحد شهود اللقاء الذي تم بين الشاه وقادة التمرد الكردي في حينه عن الشاه قوله في ذلك اللقاء وبالحرف الواحد «لقد حققت لي اتفاقية الجزائر حلما قديما ظل يراودني لثلاثة وأربعين عاما، وحقق صدام ما لم يحققه نوري السعيد لنا

ومن المفارقات المثيرة أن صدام نفسه اعتبر الاتفاقية ميتة بعد حين، ومزقها في جلسة للبرلمان العراقي عقدت إثر نشوب الحرب مع إيران ثم عاد وأعلن تمسكه بها بعد غزوه للكويت فيما ظلت طهران بعد قيام (الثورة الاسلامية) على تمسكها بالاتفاقية وإصرارها على تنفيذ كافة بنودها، وفي أعقاب احتلال العراق وصعود القوى السياسية الموالية لها الى السلطة حرصت إيران على التأكيد الدائم بضرورة تطبيق العراق للاتفاقية كما سعت للحصول على مكاسب جديدة من بينها ما يتعلق باستثمار الحقول النفطية الحدودية.

في المآل الأخير تظل اتفاقية الجزائر سكينا مغروزة في خاصرة العراق وتظل إيران هي الطرف الرابح فيما خسر العراق ويخسر حقوقا كانت ثابتة له، وإذا كان صدام متناغما مع مرحلته و»شاطرا» في عقد الاتفاقية فقد آن الأوان للإقرار بأن «شطارته» كلفت العراق وستكلفه الكثير، وغلطة الشاطر بألف!


مشاهدات 52
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/03/15 - 1:15 AM
آخر تحديث 2025/03/15 - 8:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 200 الشهر 7564 الكلي 10568513
الوقت الآن
السبت 2025/3/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير