التكامل الحكومي هل يغيّر وجه العراق ؟
وفاء الفتلاوي
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها البلاد، يبرز دور الوحدة الوطنية كحجر أساس لبناء مستقبل مشترك خالٍ من التعقيدات، فالوحدة الوطنية في العراق ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي ضرورة حيوية لضمان استقرار البلاد وازدهارها، وسبل تعزيز الوحدة الوطنية ودور التكامل بين الحكومة ومجلس النواب في تحقيق هذا الهدف.
ويُعد العراق واحدا من البلدان التي تمتاز بتنوع ثقافي وديني واسع، مما يجعله في حاجة ماسة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة، خاصة بين الحكومة الاتحادية ومجلس النواب، فالوحدة الوطنية ليست فقط قيمة اجتماعية، بل هي مفتاح رئيسي لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وفي هذا السياق، يبرز دور الحكومة ومجلس النواب في بناء أرضية مشتركة تضمن تكامل الجهود وتوحيد الخطاب الوطني بما يخدم مصلحة الشعب العراقي بكل مكوناته.
كما تُعد الوحدة الوطنية من الركائز الأساسية التي يرتكز عليها أي مجتمع لتحقيق التقدم والازدهار في العراق، حيث تمتاز الوحدة الوطنية بكونها تضم مجموعة واسعة من الأعراق والطوائف، ومنها العرب، الكرد، التركمان، المسيحيون، والعديد من الأقليات الأخرى، وهذا التنوع، رغم ثرائه، يمكن أن يشكل تحديات كبيرة إذا لم يتم التعامل معه بحذر ووعي؛ لذا تكمن أهمية الوحدة الوطنية في تعزيز التعايش السلمي بين هذه المكونات، وهو ما يستدعي العمل المستمر على تجنب أي محاولات لزرع الفرقة والفتن.
ان دور الحكومة في تعزيز الوحدة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء، المسؤول الأول عن تعزيز الوحدة الوطنية من خلال تبني سياسات تتسم بالعدالة والمساواة بين جميع مكونات الشعب العراقي، وفي هذا الإطار، يمكن تحديد عدة مجالات رئيسية تلعب فيها الحكومة دورا محوريا، منها تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الموارد، ولتحقيق الوحدة الوطنية، يجب أن يشعر المواطنون في جميع المناطق العراقية بأنهم يحظون بنفس القدر من الاهتمام والخدمات، سواء على الصعيدين الاقتصادي أو الاجتماعي، ولذا، يجب على الحكومة العمل على توزيع عادل للثروات الوطنية، بما يضمن أن يكون الجميع شركاء في بناء الدولة.
تنوع ديني
ضرورة التوازن في التعامل مع المكونات المختلفة من خلال تبني سياسات تحترم التنوع الديني والمذهبي، والعمل على إنهاء أي مظاهر تمييز بين المكونات، يمكن للحكومة أن تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، كما أن الحوار المستمر مع جميع القوى السياسية والمجتمعية في العراق يعد خطوة أساسية نحو فهم مشترك للهموم والمطالب، وهذا مالمسناه منذ تولي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للحكومة اذا يسعى الى خلق توازن لم تشهده البلاد منذ عقود، كما لعبت دوراً مهماً في إدارة الأزمات والنزاعات بظل التحديات الأمنية التي يواجهها العراق، من خلال إيجاد حلول سلمية للنزاعات الداخلية من العوامل الرئيسية التي تعزز الوحدة الوطنية، ودعم جهود مكافحة الإرهاب الذي عزز من التكافل الوطني.
ولا يقل دور مجلس النواب أهمية عن دور الحكومة في تعزيز الوحدة الوطنية، فعلى الرغم من أن الحكومة هي المعنية بتنفيذ السياسات، فإن البرلمان هو الجهة الرقابية والتشريعية التي تضع الأسس القانونية لتحقيق العدالة والمساواة، ومن أبرز الأدوار التي يمكن أن يقوم بها مجلس النواب في تعزيز الوحدة الوطنية، سن القوانين التي تعزز العدالة والعمل على إقرار قوانين تضمن حقوق كافة المواطنين من جميع المكونات الدينية والعرقية في العراق على سبيل المثال، قوانين تضمن حقوق الأقليات، وتكفل لهم حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية والثقافية والقوانين المهمة التي تمس حياة المواطنين.
ان تشريع القوانين التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر ليس فقط واجبًا دستوريًا، بل هو أيضا خطوة أساسية لتعزيز الوحدة الوطنية، فعندما يشعر المواطن أن الدولة تعمل على تحسين حياته اليومية وتلبية احتياجاته، سيزداد إيمانه بالعملية السياسية وبدوره في بناء مستقبل أفضل للعراق.
ايضاً يعد مجلس النواب الجهة التي يمكن من خلالها محاسبة الحكومة على تنفيذ تعهداتها بخصوص الوحدة الوطنية، إذ يمكن للبرلمان أن يراقب أداء الحكومة في تنفيذ برامجها التي تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والعمل على توحيد الخطاب الوطني، كما يملك قدرة فريدة على استيعاب مختلف الآراء والمطالب من كافة أطياف الشعب العراقي، ومن خلال جلسات الحوار المستمر، يمكن للبرلمان أن يساهم في خلق أجواء من التفاهم والتعاون بين مختلف القوى السياسية، مما يعزز من الوحدة الوطنية في البلاد.
ولتعزيز الوحدة الوطنية يجب توحيد الخطاب الوطني اذ يعتبر أحد أكبر التحديات التي يواجهها العراق هو التفريق في الخطاب السياسي بين مختلف الفئات والكتل السياسية، وهذا الاختلاف في الخطاب غالبا ما يؤدي إلى حالة من التشويش في الرأي العام، ويعزز من الفرقة بدلاً من الوحدة؛ لذا، يجب على الحكومة ومجلس النواب العمل معا لتوحيد الخطاب الوطني من خلال، وضع خطاب إعلامي موحد بالتعاون مع وسائل الإعلام المحلية والدولية لصياغة خطاب إعلامي يعكس المصالح الوطنية العليا ويعزز من التفاهم بين المكونات المختلفة، والتركيز على القيم المشتركة بين كافة العراقيين مثل العدالة، والمساواة، والديمقراطية، اذ يمكن للحكومة والبرلمان أن يعززا الوعي الجمعي بالمصلحة الوطنية.
ولا ننسا امكانية التوجه الى إشراك كافة الفئات في صنع القرار، حيث ان مشاركة مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في صنع القرار السياسي يسهم في تعزيز الخطاب الوطني المشترك، ويجعل الجميع يشعرون بأنهم جزء من العملية السياسية.
مرحلة تكامل
وللوصول الى مرحلة التكامل بين الحكومة ومجلس النواب والذي يُعد أحد الأسس التي تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية في العراق. يفترض تعزيز التعاون المثمر بين هاتين الجهتين يعزز الاستقرار السياسي ويشجع على التفاعل البنّاء مع التحديات الوطنية، و من خلال العمل المشترك، يمكن للحكومة والبرلمان تحديد الأولويات الوطنية ووضع الخطط التي تخدم مصالح الشعب العراقي بشكل عام.
كما أن تكامل الجهود بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (البرلمان) يساهم في ضمان التنفيذ الفعال للقوانين والسياسات التي تُقر من قبل البرلمان، مما يعزز من ثقة المواطنين في النظام السياسي ويدفعهم نحو دعم وحدة البلاد.
إن تعزيز الوحدة الوطنية في العراق يتطلب تعاوناً حقيقياً بين الحكومة ومجلس النواب، والعمل الجاد على توحيد الخطاب الوطني بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة لجميع المواطنين، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق، فإن الخطوات المتواصلة نحو تكامل الجهود بين هذه المؤسسات ستساهم في تعزيز الاستقرار وتحقق التنمية المستدامة التي يحتاجها الشعب العراقي.
العراق بلد غني بتنوعه الثقافي والديني والعرقي، وهذا التنوع يمكن أن يكون مصدر قوة إذا تم إدارته بشكل صحيح، فالوحدة الوطنية تعني احترام هذا التنوع وتحويله إلى عامل تماسك بدلا من انقسام.