الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
موصل ما بعد الحرب..  معركة جديدة ضد الأمراض القاتلة

بواسطة azzaman

موصل ما بعد الحرب..  معركة جديدة ضد الأمراض القاتلة

محمد بهجت حسين

 

في أعقاب انتهاء الحرب في الموصل، قد يبدو للبعض أن المدينة تستعيد عافيتها ببطء. الطرق تُعاد فتحها، المدارس تعود إلى عملها، والمباني التي سُويت بالأرض تُبنى من جديد. ولكن ما لا يُرى بالعين المجردة هو الآثار العميقة والمميتة التي خلفتها الحرب على صحة سكان المدينة. فبينما انتهت العمليات العسكرية، لا تزال الحروب الصحية والبيئية في الموصل مشتعلة، مع تفشي أمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي، وسط تلوث بيئي يهدد أجيالاً قادمة.

الحرب تترك خلفها ندوباً ليست فقط على الأرض، ولكن أيضاً في جسد الإنسان. مخلفات الذخائر غير المنفجرة، بالإضافة إلى المواد الكيميائية المستخدمة في المعارك، تسربت إلى التربة والمياه، ملوثةً مصادر الحياة الأساسية. هذه المخلفات تتسبب في إطلاق مواد سامة، مثل المعادن الثقيلة والإشعاعات، التي ترتبط بشكل وثيق بزيادة نسب الإصابة بالأمراض السرطانية والفشل الكلوي.

ارتفاع ملحوظ

فالتقارير تشير إلى أن الموصل، بعد الحرب، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات السرطان بين السكان. هذا لا يُعزى فقط إلى المواد الكيميائية، ولكن أيضاً إلى انهيار النظام الصحي أثناء الحرب وبعدها، مما جعل الكشف المبكر عن هذه الأمراض والتعامل معها أمراً شبه مستحيل. إضافةً إلى ذلك، فإن التلوث الإشعاعي الناتج عن استخدام بعض أنواع الذخائر أو المعدات الحربية يزيد من تعرض الناس لخطر السرطان على المدى الطويل.في الوقت الذي يحتاج فيه سكان الموصل إلى رعاية صحية عاجلة، تعرضت المرافق الصحية في المدينة إلى دمار شبه كامل. المستشفيات التي كانت تعاني من نقص في المعدات والأدوية حتى قبل الحرب، أصبحت الآن شبه مهجورة أو مدمرة. وقد انعكس ذلك سلباً على المصابين بأمراض مزمنة وخطيرة. الفشل الكلوي، الذي كان يمكن معالجته عن طريق جلسات غسيل الكلى، أصبح الآن حُكماً بالموت البطيء للعديد من المرضى، نظراً لصعوبة الحصول على العلاج اللازم.

المنظمات الدولية تقدم بعض الدعم، ولكن هذه الجهود لا تزال غير كافية لمواجهة حجم الكارثة. الأطفال والنساء، الذين يشكلون شريحة كبيرة من المتضررين، يعانون بشكل خاص، حيث يحتاجون إلى رعاية صحية مستمرة غير متوفرة بسهولة.

رغم انتهاء الحرب عسكرياً، إلا أن المسؤولية عن المخلفات البيئية والصحية لم تُلقَ على عاتق أي طرف بشكل كامل. العراق لا يزال يعاني من هشاشة اقتصادية تمنعه من تخصيص الموارد الكافية لمعالجة المشكلات الصحية البيئية الناجمة عن الحرب. وفي الوقت ذاته، المجتمع الدولي يتباطأ في تقديم الدعم الضروري.

يجب أن تكون هناك جهود جماعية لمواجهة هذه الكارثة البيئية. تنظيف التربة من المواد السامة ومعالجة المياه الملوثة يجب أن يكونا على رأس الأولويات. وقد يستغرق ذلك سنوات، إن لم يكن عقوداً، لتطهير الموصل بالكامل من آثار الحرب.

الحرب في الموصل لم تنتهِ تماماً، بل تحولت من معركة عسكرية إلى معركة صحية طويلة الأمد. مستقبل المدينة يتوقف على قدرة المجتمع الدولي والعراقي على معالجة التلوث البيئي وإعادة بناء النظام الصحي بشكل شامل. بدون هذه الجهود، ستظل الموصل ساحة حرب أخرى، ولكن هذه المرة، الحرب ستكون خفية، والعدو سيكون الأمراض التي خلفتها تلك الحروب.

معاناة الاطفال

القصص الفردية لأهالي الموصل تكشف مدى المعاناة: أطفال فقدوا آباءهم بسبب السرطان، وأمهات يراقبن أطفالهن يصارعون الفشل الكلوي بلا أمل في الحصول على العلاج المناسب. هذه القصص تذكرنا أن الحرب لا تنتهي بمجرد انسحاب الجنود أو توقف القصف، بل تستمر آثارها لسنوات وربما لأجيال.

في النهاية، الموصل تحتاج إلى اهتمام عالمي أكثر من أي وقت مضى. فلا يمكن السماح لهذه المدينة بأن تصبح ضحية أخرى للصمت الدولي تجاه الأزمات الصحية والبيئية التي خلفتها الحروب.


مشاهدات 45
الكاتب محمد بهجت حسين
أضيف 2025/03/14 - 11:49 PM
آخر تحديث 2025/03/15 - 7:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 202 الشهر 7566 الكلي 10568515
الوقت الآن
السبت 2025/3/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير