العقد الإجتماعي والسياسي بين التنظير والتطبيق
سيف السعدي
بعد ان فشلت المنظومة السياسية الحاكمة في العراق بتقديم مشروع حقيقي يؤمن به المجتمع العراقي، فضلاً عن عجزها في انتاج نظام انتخابي يعيد ثقة المواطن بالمشاركة الانتخابية وترك نهج المقاطعة الذي تستفاد منه احزاب السلطة، اصبح الحديث الان عن مشروع عقد اجتماعي وسياسي جديد يتسم بالمرونة للتكيف مع المعطيات وواقع الاحداث، والانتقال من حالة استقواء طرف على اخر إلى العدالة الاجتماعية، والتحول من الفقه الراديكالي الانتقائي إلى فقه الدولة ومؤسساتها بما يضمن مشاركة الجميع والتعددية السياسية بعيداً استغلال مؤسسات الدولة لاقصاء فاعل سياسية ممثل لمكون من مكونات البلد ضمن اطر ديمقراطية يكفلها العقد الاجتماعي والسياسي بضمانات خارجية موثوقة، كون العامل الداخلي لم يلتزم باي اتفاق والتجارب حاضرة.
هل طرح فكرة العقد الاجتماعي لحل مشكلة المنظومة السياسية قابل للتطبيق، ام فقط طرح للاستهلاك المحلي؟؟، الجواب يمكن في ان المجتمع العراقي والمنظومة السياسية بحاجة إلى العقد الاجتماعي والسياسي ولكن الاهم من ذلك من يلتزم لتطبيق الفقرات؟؟ لان هناك من ينظر إلى فكرة العقد الاجتماعي على انها فكرة خيالية!!، لكن لها مضامين أيديولوجية وسياسية كبرى، ساهمت في إعادة تشكيل الوعي الأخلاقي والسياسي معًا، فالعقد الاجتماعي لن يكون له أي تأثير بالوعي في منظومتنا العراقية، لأن العقد الاجتماعي كان في أوروبا ضمن شروط وسيرورة تاريخية تختلف تمامًا عن واقعنا وتاريخنا في العراق، حيث أصبحت نظرية العقد تقوم بوظيفة أيديولوجية، وهي الحد من سلطة الملك، بالوقوف في وجه الملكية المطلقة القائمة على ما عُرف بنظرية الحق الإلهي للملوك، وهي نظرية تقرر أن الملوك يستمدون سلطتهم من الله، وهم مسؤولون أمامه، وليس أمام الناس، ومن هنا ستكون وظيفة العقد الاجتماعي هي جعل الملوك مسؤولين أمام الناس، وتطلبت هذه العملية الانتقال من فكرة العقد الثلاثية في صيغتها الدينية، إلى فكرة العقد الثنائية في صيغتها السياسية، في الحالة الأولى كان العقد بين ثلاثة أطراف، هم الله والملك والشعب، أما في الحالة الثانية فقد أصبح العقد بين الملك والشعب فقط.
تغيير واضح
من فلاسفة العقد الاجتماعي جان جاك روسو والذي اعتبر بأن انتقال الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع ينتج عنه تغيير واضح، حيث تحل العدالة محل الغريزة في تصرف الإنسان، وتصبح أفعاله أخلاقية، وحينئذ يجد الإنسان نفسه مجبرا على التصرف حسب مبادئ أخرى، بعدما كانت الغريزة هي التي تقوده، أصبح يستشير عقله قبل الانقياد إلى ميوله، إن ما يخسره الإنسان في العقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية، ويربح مقابلها حريةً مدنية.
وبالتالي سيفقد حريته الذاتية الأنانية، لكي يحصل على الحرية المعنوية العاقلة، وهنا يميز روسو بين الحرية الطبيعية والحرية المدنية التي تحددها الإرادة العامة. ويميز كذلك بين الملكية التي ليست إلا نتيجة القوة، وبين الملكية التي لا يمكن أن تكون إلا على وثيقة وضعية، ويكتسب الإنسان في الحالة المدنية أيضا الحرية الأخلاقية التي تجعل الإنسان سيد نفسه حقا، ذلك أن الاندفاع بحافز الشهوة وحدها عبودية، بينما الانصياع للقانون الذي سنه المرء لنفسه هو الحرية، بينما "توماس هوبز" وهو الفيلسوف الإنجليزي، أبو نظرية العقد الاجتماعي الحديثة، في عمله "الطاغوت"، جادل هوبز بأن الأفراد في حالة الطبيعة سيعيشون في حالة مستمرة من الحرب وانعدام الأمن. ورأى أن العقد الاجتماعي ضروري لإنشاء سلطة مركزية قوية للحفاظ على النظام ومنع الفوضى، اما "جون لوك"، وقد طور جون لوك، الفيلسوف الإنجليزي، وجهة نظر أكثر تفاؤلا بشأن العقد الاجتماعي، كان يعتقد أن الأفراد في حالة الطبيعة سيكون لهم حقوق طبيعية في الحياة والحرية والملكية، وجادل لوك بأن العقد الاجتماعي تم تشكيله لحماية هذه الحقوق وأن للأفراد الحق في الثورة ضد الحكومة التي تنتهك حقوقهم.
الحل في العراق يكمن في تأسيس عقد اجتماعي جديد، يقوم على مفهوم المواطنة وليس المحاصصة الطائفية والعرقية التي مزقت النسيج المجتمعي وعززت التخندق الطائفي، ومن اجل ضمان نجاح اي عقد اجتماعي جديد لابد من توفر عدة شروط لابد من أهمها أن يكون نابعًا من الداخل وليس مفروضًا من الخارج، وأن يكون هدفه الأسمى هو مصلحة العراق والمواطن العراقي وليس تنفيذ أجندات إقليمية ودولية، وأن يكون هناك تغيير بالمنظومة التي لم تقدم اي مشروع حقيقي على مدار 20 سنة ماضية ولابد من وجود طبقة سياسية جديدة تؤمن إيمانًا حقيقيًّا بالديمقراطية، ويكون سلوكها السياسي سلوكًا رشيدًا، وإلا أصبحت قواعد العقد الاجتماعي مجرد قواعد نظرية لا أثر لها حين تطبيقها على أرض الواقع.
ومن العوامل التي تساهم في نجاح العقد الاجتماعي واعادة اثقة الشعب بالعملية السياسية هو وضع قواعد جديدة لتكوين الأحزاب السياسية، وان يتم محاسبة الاحزاب بعد انتهاء كل دورة انتخابية فيما يتعلق بتطبيق برنامجها الحزبي والانتخابي بشكل يخدم الجمهور كما اشارت المادة (8) من قانون رقم (36/ثانياً) لسنة 2015، فضلاً عن اهمية ان يتضمن العقد الاجتماعي الجديد شرط على أن يكون السلاح حصريًّا بيد الدولة، حتى يعود للعراق أمنه واستقراره الداخلي.
وهناك يبرز السؤال الاهم هل المنظومة السياسية بالعراق بحاجة إلى عقد اجتماعي ام سياسي؟
وقبل الحديث عن الحاجة لابد من ان نفرق بين العقد الاجتماعي والعقد السياسي، والفرق يكمن ان الاول يركز على قواعد السلوك الاجتماعي، بينما الثاني يركز على قواعد الحكم والسلطة، والواقع العراقي بعد 22 سنة من التغيير والصراع المذهبي والطائفي فضلاً عن القومي اصبح من الضروري الاتفاق على عقد اجتماعي جديد يرفع سقف هوية الدولة ويحترم الموطنة والتعايش السلمي بين مكونات الشعب واحترام العادات والتقاليد وتوجهات وثقافات كل فئة من فئات المجتمع بحيث تكون مقدمات تسبق العقد السياسي والذي نحتاجه ايضاً على غرار العقد السياسي الذي جرى في الولايات المتحدة، وتم من خلاله إنهاء حالة الرق في القرن التاسع عشر.
عقد سياسي
وعلى غرار العقد السياسي الذي جرى في جنوب إفريقيا نهاية القرن الماضي، الذي جرى بموجبه إنهاء حقبة الأبارتيد..الخ
وكل ما تقدم من حديث عن العقدين السياسي والاجتماعي بحاجة إلى ضمانات داخلية وخارجية، لان عن طريق تجربتنا مع المنظومة السياسية في كل دورة انتخابية يتم الاتفاق على ورقة اتفاق سياسي لضمان حقوق المكونات ضمن سقوف زمنية واطر قانونية ودستورية ولكن للاسف لا يتم تطبيقها بل على العكس يتم تسويفها وتوظيف فقراتها سياسياً واحياناً تعكس سلباً على تركيبة المجتمع الامر الذي جعل الفواعل السياسية تفقد الثقة بالاطراف الضامنة الداخلية ويجعلها تتوجه للاطراف الخارجية لعلها تحقق ما تروم تطبيقة من العقد السياسي والعقد الاجتماعي.