الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صورة البطل النموذجي ودوره في تغير الواقع، د. محمد طاهر مثالًا


صورة البطل النموذجي ودوره في تغير الواقع، د. محمد طاهر مثالًا

 زينة وليد خالد

 

يجسد البطل النموذجي شخصية مثالية، تمثل القيم العليا الشجاعة والتضحية لدى الواقعيين، ولقد سعوا إلى إظهاره، بمدى ارتباطه في الحياة وتصويره للواقع الاجتماعي، و تجذرت المدرسة الواقعية في الأدب، ولمع أسماء كتابها؛ ليحفر أسماءهم على صفحات التاريخ، عبر شخوصهم المرسومة، بجوهرها الإنساني القائم على المعاناة والانكسارات والطموحات، والنضال في ظروف الحياة المتنوعة، مع الاحتفاظ بهذا الجوهر، وعلى الرغم من العثرات والصعاب؛ ليظهر هؤلاء الأبطال تميزاً بايجابيتهم وتفاعلهم مع الحياة، و يظهر إبداعهم عبر اختراع أبطالهم من العدم، واكتشافهم من رحم الحياة نفسها، إذ يغوصون بعمق الواقع نافذين إلى جوهره؛ ليعيدوا صياغته بأسلوب جديد، واضعين مهمة جديدة للأدب مفادها إعادة النظر في الواقع بغية تغييره، ليس عبر اللغة الأدبية، أو الأدب ذاته، بل عبر بث روح التغيير الإيجابي في البشر، قادرين وحدهم بالنتيجة على فعل التغيير المطلوب، استناداً لإمكانات الواقع نفسه، عبر سيرورته وضرورته التاريخية، وعلى الرغم من رفض اغلب النقاد لتسمية مصطلح البطل النموذجي في الروايات والقصص في عصرنا الحالي، فالبطل في الرواية، هو الشخصية المحورية، التي تجذب القارئ، عبر ما تنطوي عليها من جدل وصراع، وهو الذي يغذي الأحداث المتتالية، ومع ما تحمله هذه وتلك من سبل التطوير على الشخصيات، ولعله هنا يظهر الفارق الجلي في عملية إعادة بناء الشخصيات الحية في الأدب، ودورها الإيجابي فيه، وبين الشخصيات المختلقة من الخيال المحض، أو المعاد تركيبها، بعيداً عن الواقع وإمكاناته، كشخصيات سوبرمان وغيرها من الشخصيات، التي تمثل الفردانية في البطولة، مع تعظيم هذه الفردانية، بعيداً عن الواقع ومتغيراته وأفقه، إذ تصبح القصة أو الحكاية هي تكريس للفرد (البطل) بمعزل عن المجتمع بالنهاية، فالبطل في الرواية الأدبية، هو شخصية واقعية، مهمتها الأساسية نقد الواقع والاحتجاج عليه، بغية تحسينه والدفع به نحو الأفضل، وإن وجد نفسه وحيداً في مواجهة واقعه وعالمه، إلا أنه يستطيع تجاوز العراقيل، ويجد فرصته في الانسجام مع محيطه ووسطه الاجتماعي، الذي يتشبع منه بالوعي الاجتماعي، الذي يصقل شخصيته ويبلورها ويعمقها أكثر، أثناء سير الحبكة القصصية؛ ليصل في ذروتها وقد تبينت معه الحقائق كلها متكشفة وواضحة أثناء تجذُّر اهتماماته بالجوانب الاجتماعية المرتبطة بوسطه، إذ نجده ينشغل عن الذاتي والفردي، ليذوب في بوتقة الجماعة، والواقع بمختلف جوانبه، وهو انعكاس لصورة المجتمع، على وفق رؤية واقعية للغرض، ليغدو الأمر أكثر وضوحًا على أنه صراع محتدم، بين داعمي هذه المدارس الآفلة زماناً، مع متمرسي المدرسة الواقعية، التي استطاعت أن تغزو التقانات الحديثة كلها، من سينما وتلفزيون وشبكة عنكبوتية، وقد أكدت ثباتها وقوتها بحضورها المتصاعد، على الرغم من مساعي التشويه والتشويق المقابل كلها، المتمثل بتعظيم البطولة الفردية واستحضار العنف والقسوة والخوف والتآمر، وغيرها، وعلى الرغم من كل الدعم والتمويل الذي تمتلكه القوى الداعمة، فالواقع، هو المنهل الأساس في تكوين الشخصيات، في الأعمال الأدبية،  فهي تتحدث عن الإنسان وحياته ومستقبله؛ لتكرس فضل السبق لمصلحة المذهب الواقعي، ليس على مستوى المقدرة على عكس الواقع الموضوعي فقط، بل وفي استشراف المستقبل أيضًا، سعًيا للتغيير الإيجابي المنشود، ومن هنا يمكن أن نعيد تسمية هذا المصطلح المندثر؛ ليكون مثالًا واقعيًا بعيدًا عن مفهوم الروايات والقصص الأدبية إذ نجده في شخصية حقيقية، ظهرت على أرض الواقع أشبه بقصة متضمنة أحداث مترابطة، تحمل في طياتها مفهوم البطل النموذجي  في أغلب صفاته، متمثلة بالدكتور العراقي محمد طاهر، الذي ترك بريطانيا؛ ليلتحق بمجموعة أطباء متطوعين يعالج أهالي غزة في ظل الحرب، ويقدم صور إنسانية شكلت نمطًا مغايرًا لواقع الطبيب بصورته الراهنة في عصرنا، لقد خلق طابعًا استثنائيًا، إذ قورن بمن يمتهن هذه المهنة ممن حوله، إذ استطاع أن يتحرى عن المفهوم الإنساني ويكشف عن دوره المضمر، بتناقضات  دائمة مع من حوله، فإن المسار النموذجي للبطل ( الدكتور محمد طاهر )، يتحدد في إنقاذ حياة فئات مختلفة من البشر خذلهم العالم، وتركهم بين معترك الحرب،  في ظل إمكانيات محدودة ومعدومة، يقابلها ايمان تام بالواجب الذي ارتضاه  لنفسه، على اثرها تتولد مفاهيم عدة منها الشجاعة، والوفاء، والتضحية، التي جعلت منه شخصية محورية مؤثرة، تواجه التحديات والمخاطر  دون خوف، مما تشكل محورًا فرعيًا في مفهوم البطل، وهو عدم الاستسلام أمام العقبات، والسعي لتحقيق الهدف؛ لترسم معالم البطل الإيجابي الذي يحقق الخير والدفاع عن الضعفاء لما يمتلكه من قيم أخلاقية، تؤثر في الاخرين وتكسب ثقتهم بسهولة، وإن ( د. محمد طاهر ) شخصية مركزية اتسمت بالقيادة والالهام، مما جعلته يواجه صراعات داخلية بين ما يعانيه من أحداث الحرب وما ينتج عنها، ولا سيما انه عاش في بلد بعيد كل البعد  عن هذه الأحداث، يقابله صراع مواصلة الواجب الإنساني الذي جاء من أجله، وبين الصراعين تنفصل العاطفة عن البطل؛ لتعيده إلى وظيفته الأساس؛ ليعطي للمشاهد والأحداث الحقيقية دوره كطبيب محارب، وإن تتابع أحداث الحرب الدامية التي عاشتها غزة هي التي ساعدت في إظهار صورته بتفاصيلها، وإظهار كل المضمرات الخاصة بمكامن الشخصية، منها الإمكانية العلمية التي يتسم بها، تقابلها الروح الإنسانية، التي ولدت مفهوم الصبر والاستمرار في مواجهة ظروف الحرب، ومواصلة تحقيق الواجب الإنساني بصورته المثالية، وعلى وفق ذلك يتحدد محور ثالث لمفهوم البطل وهو الذي له دور رئيس في تحديد مساره واتجاهه، وهو تحديد رؤية البطل في الوسط الاجتماعي( شعب عزة )، فقد  ارتبط اسمه في إنقاذ  حياتهم، ولا سيما انه الشخصية النموذجية تُظهرها البيئة والمجتمع، وتساهم في بيان تفاصيلها وسماتها، من خلال تسليط الضوء عليها وجعلها مرتكزًا مهمًا مرتبطًا بالأحداث،  ومن هذه الأحداث التي تدور حول المرتكز قدرة مواصلة الطبيب العراقي لواجبه الطبي، ومواصلته لدوره دون كلل أو ملل، وتعاطفه مع المصابين والجرحى والشهداء، وعمله المستمر مع انعدام الإمكانيات الطبية، والسعي الدائم من أجل نجاح العمليات الجراحية التي تتسم بالمساعدة والمساندة ومحاولة خلق فرصة اشبه بالمعجزة  في سبيل إنقاذ حياة الناس، مما تسمح شخصية المنقذ بتشظي المرتكز الاساسي ودوره في إبراز الشخصية النموذجية، منها درس في الإنسانية، ودرس في الصبر والتحمل في مواجهة الصعاب، محاولة التغيير حقيقة الواقع المرير وإعطاء امل في ظل الموت والدمار، وايضًا إحياء المفهوم الإنساني لدى الطيب وهي أشبه برسالة مضمرة تخاطب جميع الأطباء في العالم، بعيدًا عن مفهوم المهنة بطابعها التجاري.


مشاهدات 20
الكاتب  زينة وليد خالد
أضيف 2025/03/09 - 2:13 PM
آخر تحديث 2025/03/10 - 6:51 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 157 الشهر 4924 الكلي 10465873
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير