الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الاشتياق‭ ‬إلى‭ ‬رمضان

بواسطة azzaman

الاشتياق‭ ‬إلى‭ ‬رمضان

حسن‭ ‬النواب

 

في‭ ‬الغربة‭ ‬وفي‭ ‬المهاجر؛‭ ‬يرتفعُ‭ ‬مؤشر‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬دينية؛‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وبرغم‭ ‬وجود‭ ‬جميع‭ ‬المستلزمات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬منافينا‭ ‬ومهاجرنا،‭ ‬من‭ ‬طعامٍ‭ ‬سابغٍ‭ ‬وحلوياتٍ‭ ‬فاخرةٍ‭ ‬وفواكهٍ‭ ‬طازجةٍ،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬المغريات‭ ‬لا‭ ‬نكهة‭ ‬لها‭ ‬بقدر‭ ‬مذاق‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬وطنك،‭ ‬ولذا‭ ‬ترى‭ ‬الناس‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المهاجر‭ ‬تحاول‭ ‬وتجتهد‭ ‬لتصنع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شبيهاً‭ ‬للحلويات‭ ‬والنواشف‭ ‬والخبز‭ ‬والطرشي‭ ‬والأطعمة‭ ‬في‭ ‬بلدانها‭ ‬وأوطانها،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬نجحت‭ ‬بصناعة‭ ‬ما‭ ‬يشتهيه‭ ‬الصائم‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬الرمضانية‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الغربة،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬بوسعها‭ ‬أنْ‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬الأذان‭ ‬وهو‭ ‬يتعالى‭ ‬من‭ ‬منائر‭ ‬المساجد‭ ‬والجوامع؛‭ ‬وكلنا‭ ‬يعرف‭ ‬أنَّ‭ ‬سماع‭ ‬صوت‭ ‬أذان‭ ‬الغروب‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬له‭ ‬منزلة‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ولكَ‭ ‬أنْ‭ ‬ترى‭ ‬العوائل‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬وهم‭ ‬يقفون‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬بيوتهم‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬السطوح؛‭ ‬بانتظار‭ ‬سماع‭ ‬صوت‭ ‬الأذان‭ ‬أو‭ ‬مدفع‭ ‬الإفطار‭ ‬إيذاناً‭ ‬بتناول‭ ‬فطورهم‭ ‬بمشهد‭ ‬إنساني‭ ‬تجد‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬والألفة‭ ‬والمحبة‭ ‬والتقوى،‭ ‬بينما‭ ‬هنا‭ ‬ربما‭ ‬تجد‭ ‬هناك‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الإقامة‭ ‬يتجمع‭ ‬فيه‭ ‬المهاجرون؛‭ ‬بينما‭ ‬جوامعنا‭ ‬ومساجدنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬والدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬أبعد‭ ‬قرية؛‭ ‬وهنيئاً‭ ‬لمن‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬الأذان‭ ‬في‭ ‬منفاه‭ ‬أو‭ ‬مهجره‭ ‬البعيد‭. ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬جُلَّ‭ ‬ما‭ ‬أخشاهُ‭ ‬أنْ‭ ‬يفطر‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬أوَّلِ‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬ناشز‭ ‬لتصريح‭ ‬برلماني‭ ‬فاسد‭ ‬ومنافق‭ ‬وملعون‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إفطارهم‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬شجي‭ ‬لابتهال‭ ‬ديني‭ ‬رمضاني،‭ ‬بينما‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬ربما‭ ‬نفطر‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬موسيقى‭ ‬الجاز‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬الحانات‭ ‬والملاهي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الإفطار‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬التراويح‭ ‬والأدعية‭ ‬الشجية‭ ‬التي‭ ‬تزقُّ‭ ‬الروح‭ ‬برعشات‭ ‬الاطمئنان‭ ‬والسعادة‭ ‬والإيمان‭. ‬وهنا‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬نشتاقُ‭ ‬إلى‭ ‬المسحراتي‭ ‬الذي‭ ‬منزلتهُ‭ ‬خاصة‭ ‬في‭  ‬أفئدة‭ ‬الصائمين،‭ ‬فهو‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬الرمضانية‭ ‬وجزءاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل؛‭ ‬إذْ‭ ‬يتولَّى‭ ‬مهمة‭ ‬إيقاظ‭ ‬الناس‭ ‬لتناول‭ ‬وجبة‭ ‬السحور‭ ‬قبل‭ ‬أذان‭ ‬الفجر،‭ ‬ويجوب‭ ‬شوارع‭ ‬وأزقة‭ ‬الأحياء‭ ‬والحارات‭ ‬حاملاً‭ ‬طبلته‭ ‬الصغيرة‭ ‬أو‭ ‬طبلاً‭ ‬ضخماً‭ ‬يُسمَّى‭( ‬الدمَّام‭) ‬ومنادياً‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭ (‬قوموا‭ ‬إلى‭ ‬سحوركم،‭ ‬رمضان‭ ‬جاء‭ ‬يزوركم‭) ‬بالتناوب‭ ‬مع‭ ‬قرعه‭ ‬على‭ ‬الطبل‭ ‬بدقتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث؛‭ ‬والمسحراتي‭ ‬مهنة‭ ‬قديمة‭ ‬قدم‭ ‬التاريخ‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الني‭ ‬محمد‭(‬ص‭) ‬وكان‭ ‬الصحابي‭ ‬بلال‭ ‬بن‭ ‬رباح‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة؛‭ ‬إذْ‭ ‬كان‭ ‬يؤذن‭ ‬للفجر‭ ‬مرتين‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬يجوب‭ ‬الطرقات‭ ‬حاملاً‭ ‬بيده‭ ‬قنديلاً‭ ‬ليراه‭ ‬الناس‭ ‬ويجذب‭ ‬انتباههم‭ ‬؛‭ ‬مؤذناً‭ ‬لإيقاظ‭ ‬الناس‭ ‬للسحور‭ ‬بصوته‭ ‬العذب،‭ ‬وعندما‭ ‬يحين‭ ‬وقت‭ ‬الإمساك‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬كان‭ ‬صاحبه‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬مكتوم‭ ‬يؤذن‭ ‬الفجر‭ ‬ليمتنع‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭. ‬كما‭ ‬يعصف‭ ‬بنا‭ ‬الحنين‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬لتلك‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬العوائل‭ ‬العراقية‭ ‬إلى‭ ‬المراقد‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬الأعظمية‭ ‬والكاظمية‭ ‬وكربلاء‭ ‬وسامراء‭ ‬والنجف؛‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خميس‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أنْ‭ ‬تجد‭ ‬مثيلاً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الغربة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أجمل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الزيارات‭ ‬المباركة‭ ‬تكون‭ ‬مصحوبة‭ ‬بإفطار‭ ‬شهي‭ ‬في‭ ‬صحن‭ ‬أحد‭ ‬الأولياء‭ ‬الصالحين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المراقد‭ ‬المقدسة‭ ‬ويا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬إفطار‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬غريب‭ ‬ومهاجر‭ ‬عن‭ ‬وطنه‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الطقوس‭ ‬الحميمة‭ ‬يفتقدها‭ ‬الإنسان‭ ‬المنفي‭ ‬والمهاجر‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الغربة،‭ ‬ولذا‭ ‬اذكرونا‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬البلاد؛‭ ‬عندما‭ ‬تسمعون‭ ‬أذان‭ ‬الغروب،‭ ‬واذكرونا‭ ‬مع‭ ‬ترتيل‭ ‬الأدعية‭ ‬السجاديَّة‭ ‬وصلاة‭ ‬التراويح،‭ ‬واذكرونا‭ ‬عندما‭ ‬تجلسون‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬الشعبية؛‭ ‬واذكرونا‭ ‬عندما‭ ‬تتبارون‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ (‬المحيبس‭) ‬ويا‭ ‬لفرحة‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬الخاتم؛‭ ‬ويا‭ ‬لحزن‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يخسر؛‭ ‬لكنَّهُ‭ ‬حزنٌ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يزول،‭ ‬بينما‭ ‬أحزان‭ ‬ومكابدات‭ ‬الغريب‭ ‬المهاجر‭ ‬تلازمه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬طالما‭ ‬يشتاق‭ ‬إلى‭ ‬وطنه،‭ ‬حين‭ ‬يتذكر‭ ‬تفاصيل‭ ‬طفولته‭ ‬في‭ ‬الحارات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬فحنين‭ ‬واشتياق‭ ‬الغريب‭ ‬والمهاجر‭ ‬إلى‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬صلاة‭ ‬سادسة؛‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬طقوسها‭ ‬سوى‭ ‬الغرباء‭ ‬عن‭ ‬أوطانهم،‭ ‬أجل‭ ‬رمضان‭ ‬موحش‭ ‬وحزين‭ ‬وغريب‭ ‬مثلنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المهاجر؛‭ ‬نحن‭ ‬الأغراب‭ ‬عن‭ ‬أوطاننا،‭ ‬فكلما‭ ‬أفطرنا‭ ‬هطل‭ ‬الدمع‭ ‬من‭ ‬الأحداق‭ ‬حنيناً‭ ‬للبلاد‭.‬

 


مشاهدات 107
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2025/03/03 - 2:42 PM
آخر تحديث 2025/03/04 - 3:29 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 432 الشهر 2038 الكلي 10462987
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/3/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير