من الكتب التي تتمتع بصلاحية واقعية ورؤية ثاقبة كان كتاب: لعبة الأمم، لمؤلفه الامريكي، مايلز كوبلاند. في هذا المقال لست بصدد عرض الكتاب الشهير، لكني بصدد استقراء منه واسقاط في موضوعة اخترت لها عنوان المقال.
منذ بدايات القرن العشرين الذي تميز بحربيه العالميتين والحرب “العالمية” الباردة التي أعدها حرب عالمية ثالثة في أطرافها وأحداثها وتداعياتها، ونحن نشهد قيام أنظمة وبعد حين تساقطها، ليس بمعنى تغير حكوماتها وبرلماناتها، وانما بمعنى الانقلابات الجذرية في أسسها وشخصياتها.
وأريد بأربعينية الأنظمة هي فترات حكمها التي تزيد أو تقل بحسب الظروف والغايات التي تهندسها وترجوها القوى صاحبة العلاقة والمصلحة في قيام تلك الأنظمة وسقوطها.
أما أنظمة الأراضي الرخوة العربية، فهي تلك الأنظمة التي تمايلت وناورت وتحربنت ( من لعب دور الحرباء) لكي تقوم وتستمر في حكمها وتمردها المزعوم، الذي سرعان ما دبت فيه آفات التآكل ذاتية وخارجية فسقطت، لتقوم بدلاً منها أنظمة “منتصرة”!
من هذه الانظمة العربية ما قام في مصر والعراق وسوريا واليمن والسودان وتونس وليبيا وبشكل ما الجزائر. وكانت جميع هذه الدول قد عاشت حركات تحرر واقامة أنظمة وطنية، عسكرية في غالبيتها.
تميزت هذه الأنظمة، وبصورة نسبية ومتفاوتة بعض الشي، بالآتي:
عدم خبرة ومرونة قياداتها التي تسلمت الادارة السياسية بطرق غير سلمية
التخلف النوعي في قطاعات البنى التحتية من تعليم وصحة ونقل ومواصلات وطرق وجسور ومنشآت مائية وإروائية، ناهيك عن الاقتصادية المباشرة من زراعية وصناعية وحتى عسكرية.
حاجتها الحياتية للعون من الخارج والتعامل معه.
ضعفها، لا بل وعدم قدرتها على حماية أسرارها والاعتماد على “ثقاتها”.
ان هذه الأحوال تجعل من هذه الأنظمة تحرص وتقاتل من أجل بقائها، في مصروفاتها غير المتناسبة على الأمن والدفاع، وكذلك من خلال “الأتاوات” ورسوم الحمايات والابتزازات وتجنب المعارضات والتمردات والثورات.
متى تبدأ نهاية أنظمة الأراضي الرخوة العربية؟
تبدأ النهاية من الخطوط التالية:
عندما ينتابها وخز ضمير وطني أو قومي
عندما تتمرد على دفع الأتاوات وترفض الابتزازات
عندما تعد لمشاريع وحدوية أو تضامنية
عندما تتعاون أو تتحالف مع قوى مناهضة للقوى الوصية.
عندما “تندلع” في الصف وتبدأ باثارة الفتن والقلاقل!
وحيث أننا نعيش في غابة كبيرة، لا ينفع معها قانون دولي أو محكمة جنايات وعدل حكم، ولا يؤمن العالم بتغليب القيم والمبادىء على المصالح، فإننا سنعيش اهتزاز عروش الانظمة القائمة على أراض رخوة.